الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فضائل المسجد الحرام

فضائل المسجد الحرام

فضائل المسجد الحرام

مكة هي البيت العتيق ، وهي البلد الحرام ، والبلد الأمين ، شرفها الله عز وجل ورفع قدرها ، فلها المنزلة العظمى والمقام السامي الذي لا يدانيه مقام .

كيف لا وفيها بيته الذي هو أول بيت وضع للناس ، يعبدون فيه ربهم ويتقربون إليه ، وهو البيت الذي جدد بناءه خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ، وزاده الله رفعة وتعظيما بمبعث خاتم الرسل محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم .

فهو مجمع الفضائل ومحط المكارم ، ففيه ترفع الدرجات وتغفر السيئات ، وفيه يتسابق المتسابقون في الخيرات فهو موطن رحمة ودار عبادة .

ففضائل مكة جمة ومزاياها كثيرة فلنستعرض شيئا منها ، حتى يعلم المسلم حرمة هذا البلد ومنزلته عند الله ، فمن فضائل مكة شرفها الله:

1- أن فيها أول بيت وضع لعبادة الله في الأرض: قال تعالى : {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين } (آل عمران:96) قال الحسن : "هو أول مسجد عُبِد الله فيه في الأرض" .

2- أنها حرم الله ورسوله: قال تعالى { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين } (النمل:91)، فمكة حرَّمها الله على خَلقه أن يسفكوا فيها دماً حراماً ، أو يظلموا فيها أحداً ، أو يصاد صيدها ، أو يختلى خلالها . وفي الصحيحين عن أبي شريح رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس ، ولا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً أو أن يعضد بها شجرة ، فإنْ أحدٌ ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقولوا له : إن الله أذِن لرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لك ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب ).

3- أنها دار الأمن والأمان: قال تعالى { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } (البقرة:126) قال أبو جعفر : "يعني بقوله آمنا ، آمناً من الجبابرة وغيرهم ، أن يسلطوا عليه ، ومن عقوبة الله أن تناله كما تنال سائر البلدان ، من خسف وائتفاك - جَعْل عاليَها سافِلها - وغرق ، وغير ذلك من سخط الله ومثلاته - عقوباته - التي تصيب سائر البلاد غيره ".

4- أحب البلاد إلى الله وإلى رسوله: فعن عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته واقف بالجرول يقول: ( والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ) رواه النسائي .

5- فضيلة الصلاة في مسجدها: وفضيلة الصلاة في المسجد الحرام لا تعدلها فضيلة، فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه قال: ( صلاة في المسجد الحرام أفضل مما سواه من المساجد بمائة ألف صلاة ، وصلاة في مسجد المدينة أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، وصلاة في مسجد بيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد بخمسمائة صلاة ) رواه الطبراني و ابن خزيمة .

6- مُحَصَّنة من الدجال: فلا يدخلها الدجال حفظا من الله لها ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق ) رواه البخاري .

7- زمزم: وهي كرامة إسماعيل عليه السلام وأمه ، حيث أنبع الله لهما هذه العين فصارت عينا معينا إلى يوم القيامة ، في بلد قفر لا شجر فيه ولا ماء ، وهي مع كونها تروي العطشان ، جعل الله فيها دواء وطعاماً لشاربيها ، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم ) رواه البزار و الطبراني في الصغير وصححه الألباني .

8- حرمة استقبال الكعبة أو استدبارها عند قضاء الحاجة تكريماً لها وتشريفا : فيحرم على المسلم إذا كان في فضاء من الأرض لا يحول بينه وبين القِبلة شيء أن يستقبلها أو يستدبرها عند قضاء حاجته ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القِبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ، ولكن شرِّقوا أو غربوا ) رواه البخاري و مسلم واللفظ له .

9- مكة مركز اليابسة : وقد دلّ على ذلك قوله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها } (الشورى:7) قال ابن عباس في تفسير الآية : " أم القرى ، مكة ، ومن حولها الأرض كلها ". وقد دلت الاكتشافات العلمية الحديثة أن مكة شرفها الله هي مركز اليابسة ، وقد توصل إلى هذه النتيجة عدد من الباحثين منهم الدكتور حسين كمال الدين العالم المصري الذي كان يحاول رسم خريطة للعالم يبين فيها للمسلمين في أنحاء العالم اتجاه القبلة ، فاتضح له أن مكة مركز اليابسة في العالم ، وأن اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة توزيعا منتظما .

10- مكة قبلة المسلمين : وهذه فضيلة أخرى من فضائل بيت الله الحرام ، فإليها يتوجه عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، قال تعالى :{ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } (البقرة:144).

11- المحاسبة فيها على الهَمِّ بالسيئات : على خلاف غيرها من البلاد التي لايؤاخَذ المرء فيها إلا على فعله أو قوله دون ما يهم به ، قال تعالى { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } (الحج:25)، والإلحاد هنا هوالميل والحيد عن دين الله الذي شرعه ، ويدخل في ذلك الشرك بالله في الحرم ، أو الكفر به ، أو فعل شيء مما حرمه الله ، أو ترك شيء مما أوجبه الله ، أو انتهاك حرمات الحرم .

فهذه بعض فضائل بيت الله الحرام ، نسأل المولى عز وجل أن يبلغنا إياه حاجين ومعتمرين مرات بعد مرات ؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة