الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مثقفون عرب يمارسون الوصاية على الفلسطينيين !

مثقفون عرب يمارسون الوصاية على الفلسطينيين !

مثقفون عرب يمارسون الوصاية على الفلسطينيين !


المتابع لمواقف بعض المثقفين العرب ، تجاه القضية الفلسطينية ، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالانتفاضة والعمليات المسلحة ، وبالأخص الاستشهادية . تصيبه الدهشة من المواقف الغرائبية ، التي تمارس وصايتها وفوقيتها على الشعب الفلسطيني المضحي والمقدام.

هذه الدهشة مصدرها كون هذه المواقف تنبع من مجموعة من المثقفين تعتبر ذاتها ذات نزعة تقدمية وحداثوية ، عقلانية ، تعتمد على الديمقراطية ، وتتلحف بجلباب الليبرالية.

من حق أي مثقف أن يكون له موقفه ورأيه ، ونظرته الذاتية لقضايا الساحة ، وفي المقابل على الطرف الآخر أن يحترم وجهة النظر هذه ويقدرها ، مهما كانت مخالفة ، ما دامت نابعة من رؤية علمية وموضوعية . وكل ذلك يقع في دائرة الاجتهادات الشخصية ، ولكن من غير السليم أن يمارس هذا الحق بنوع من القهرية والفوقية ، وكأن لا عقل ولا وعي لدى عموم الشارع الفلسطيني.

هذا الموقف السلبي تجاه الانتفاضة ، أخذ يتسارع ويأخذ وتيرة تصاعدية ، بعد الأحداث الإرهابية المشؤومة في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الأسود ، وكأن هؤلاء المثقفين ، أرادوها فرصة مواتية ليطلقوا ما في جعبتهم ، من نقد لاذع ، بل شتيمة تجاه الانتفاضة وفصائلها الوطنية والإسلامية . مبشرين بالقيامة السوداء ، وإبادة الشعب الفلسطيني ، إذا استمرت الانتفاضة ، ومرددين المقولات الشارونية الكريهة من اعتبار المقاومة الفلسطينية الإسلامية والوطنية إرهابًا دوليًا منظمًا ينبغي اجتثاثه.

ما معنى أن يتحد خطاب شارون ، والكيان الصهيوني مع خطاب بعض المثقفين العرب ؟ ، وما معنى أن يردد هؤلاء المثقفون الاتهامات الصهيونية للمقاومة الفلسطينية بالإرهاب ؟ ، ولماذا يكون بعضهم أشد حرصًا على السلام الإسرائيلي من إسرائيل ذاتها ، فتراهم يتسابقون للتنظير والحث على كبح جماح المقاومة الفلسطينية ، بل يذهبون لأبعد من ذلك ، عندما يرددون مقولات اليمين الصهيوني المتطرف ، من كون ياسر عرفات رجل أقوال لا أفعال ، وأنه أخطأ أخطاء جسيمة ويجب عليه أن يتداركها ، وإلا أوصل شعبه لكارثة أكبر مما هو فيها . هذا الخطاب الاستسلامي يقودنا لاستنتاج الآتي :

1) أن هناك قطاعًا من المثقفين العرب ، لا يزال يقبع في ضبابية الرؤية ، بل لنقل : إن الرؤية لديه غائبة أصلاً . غياب هذه الرؤية يدل على غياب وفقدان استراتيجية واعية ، بل يدل على خلل جسيم في أنمطة التفكير ، وأسلوب التعامل مع الأحداث وتحليلها . فبدلاً من أن يعكف المثقفون العرب على صوغ خطاب إعلامي متوازن وقوي ، يستطيع أن يوصل الظلامة العربية ، وخصوصًا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ، ويكون خطابًا إعلاميًا عالميًا ، يسند الانتفاضة ، نراهم يتماهون مع الخطاب الإسرائيلي ويرددون الكثير من مفرداته .

2) هذا الخلل في صوغ الخطاب الإعلامي ، أدى إلى انشغال بأمور ثانوية وجزئية ، وأدى إلى التباس في التعامل مع القضايا ، جعل التعامل معها تعاملاً انتقائيًا برغماتيًا ، قائمًا على الالتقاطية من جهة ، وجلد الذات من جهة ثانية ، فنرى بعضهم وممن لهم مواقف سلبية من المقدس الديني ، ومن دعاة الفصل التام بين الدنيوي والديني ، نراهم يلتقطون من النص الديني ، ما يخدم خطابهم السياسي والإعلامي ، كما يفعل العفيف الأخضر ، حينما يحتج بصلح الحديبية ، والسنة المحمدية ، في الوقت الذي لا يعترف هو ذاته من كون هذه السنة المحمدية التي يحتج بها سنة دين ودنيا ، في عملية تلفيقية برغماتية واضحة . أو ما يمارسه من اعتباره الشباب الفلسطيني الذي يمارس الانتفاضة شبابًا ضائعـًا متسكعًا ، قابعًا في الشوارع ، مأزومًا نفسيًا ، يعاني أزمات نفسية حادة تقوده لهذا السلوك العدواني ، محللاً بذلك النفسية الفلسطينية ، باعتبارها نفسية مأزومة ومريضة .

3) كان جيدًا لو توقف الأمر عند الموقف السلبي المنهزم ، بل تعداه لأمرين خطيرين ، الأول : تحريض بعض الحكومات العربية والسلطة الفلسطينية ، وإعطاء مسوغ للحكومة الصهيونية ، لقمع الانتفاضة ومعاقبة مناضليها باعتبارهم أشخاصًا إرهابيين ، ينبغي اجتثاثهم . والأمر الآخر : ممارسة وصاية فوقية ، وكأن هؤلاء المثقفين يمتلكون الحق المطلق ، واقعين في المطب الذي ينتقدون فيه بعض الإسلاميين من أصحاب العقلية الغيبية في ممارساتهم ، بوصفهم نواب الله في أرضه ، وممثلين له ، فإذا هم ينصبون أنفسهم كنواب للسلام والعدل والحرية . متجاهلين بذلك الحق الشرعي والقانوني للشعوب في تحرير أوطانها والدفاع عن ذاتها بالوسائل المتاحة ، ومتعدين على قيم الديمقراطية ، أن يختار الشعب مصيره بنفسه ، بلا إكراه وإجبار ؟ ، فلماذا يقبل بعض المثقفين أن تكون للشواذ جنسيًا حقوقهم الكاملة في الغرب باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان ، ولا يقبلون في المقابل أن يمارس الشعب الفلسطيني خياره الشعبي في الانتفاضة والمقاومة ، أليس هذا الخيار الديمقراطي حقًا يمارسه ؟ ، أم أن الشعب الفلسطيني لا يزال قاصرًا لم يبلغ سن الرشد ؟!

للمثقفين العرب أصحاب المواقف السلبية من الانتفاضة أن يكفوا عن هجائهم لها ، وأن يتركوا الشعب الفلسطيني يمارس خياره الذاتي بكل حرية ومن دون وصاية بطركية فوقية ، فإن لم يستطيعوا أن يقدموا له عونًا ، فمن الأفضل أن يتركوه وشأنه ، أقلها يجرب خياره الديمقراطي ، أم أن هذا الخيار محرم عليه؟ !

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة