الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علوم أسّسها المسلمون

علوم أسّسها المسلمون

علوم أسّسها المسلمون

إنّ الدارس لتاريخ العلوم يجد أنّ المسلمين أسسوا عدداً من العلوم، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الرقي الفكري للمسلمين، وعلى فاعليتهم العقلية، وسأشير إلى بعض هذه العلوم وأوضح بعض ملامحها، وأبيّن دور المسلمين في إنشائها أو تطويرها.

علم أصول الفقه:

ابتكر الإمام الشافعي (150-205هـ) علم أصول الفقه وهو علم خاص بالأمة الإسلامية لا تعرفه الأمم الأخرى، وقد درس الشافعي الفقه في المدينة متتلمذاً على يد الإمام مالك بن أنس، وأحاط بفقه الحجازيين، ثم ذهب إلى العراق والتقى بمحمد بن حسن الشيباني تلميذ الإمام أبي حنيفة فقيه العراق وأخذ عنه فقه العراقيين، وكانت الساحة الفقهية منقسمة بين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، وكتب الشافعي "الرسالة" التي كانت نواة لعلم أصول الفقه، وتحدّث فيها عن الخاص والعام والمطلق والمقيّد ومذهب الصحابي والمصلحة المرسلة، وشرح كيفية التوفيق بين الأحاديث المختلفة، وحدّد فيها أصول القياس إلخ ...

ومما يجدر ذكره أنّ الجامعات في فرنسا قررت الاستفادة من علم أصول الفقه لإنشاء علم أصول القانون، لكي يكون مرجعاً لها في استخراج الفتاوى القانونية كما يشكل علم أصول الفقه المرجع في استصدار الفتاوى الفقهية.

علم الكيمياء:

علم الكيمياء علم أسسه المسلمون وأخذ اسمه من اللغة العربية، وهناك احتمالان لاشتقاق اسم الكيمياء:

الأول: اشتقاقه من الكم أو الكمية، وذلك لأنّ علماء المسلمين عندما أسسوا هذا العلم كانوا يقولون إذا أضفنا كمية من هذه المادة إلى كميتين من مادة أخرى نتج كذا.

الثاني: اشتقاقه من الستر، فقد جاء في لسان العرب لابن منظور: أنّ الكيمياء كلمة عربية مشتقة من كمى الشيء وتكمّاه: أي ستره، وكمى الشهادة يكمّيها كمْياً وأكْماها: أي كتمها وقمعها. وقد ذكر أبو عبدالله محمد الخوارزمي المتوفى سنة 387هـ في كتاب "مفاتيح العلوم" فقال: "إنّ اسم هذه الصنعة كيمياء وهو عربي واشتقاقه من كمى يكمي: أي ستر وأخفى" لذلك أسمى الرازي كتابيه في الكيمياء "الأسرار" و"سر الأسرار".

وقد تداولت اللغات الأوربية الاسم العربي لعلم الكيمياء فكان الاسم المتداول عندهم هو Al-Chemie.

وقد كان علم الكيمياء قبل المسلمين تغلب عليه الآراء النظرية أو السحر والكهانة، وتجمع الآراء على أنّ المسلمين هم الذين بدأوا هذا العلم بداية جديدة تقوم على مبدأ التجربة والمشاهدة قبل إصدار الرأي، وكان جابر بن حيّان يوصي تلاميذه بالاهتمام بالتجارب العلمية مع التدقيق في ملاحظة تطوراتها وأحوالها، وتؤكد الآراء كذلك على أنّ المسلمين اكتشفوا نظرية النسبية في اتحاد المواد قبل الكيميائي "براوست" بخمسة قرون وتقول هذه النظرية: إنّ المواد لا تتفاعل إلا بأوزان ثابتة، وهو قانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيميائي.

علم الصيدلة:

المسلمون هم الذين أنشأوا علم الصيدلة وارتقوا به ارتقاءً حقيقياً، وهم الذين ارتفعوا بالتمريض من مستوى تجارة العقاقير إلى مستوى العمل المستقل، وصيّروه مهنة خاصة، وهم الذين سبقوا سائر الأمم في إنشاء الصيدليات، وتحضير الأدوية، وإقامة الرقابة على الصيدليات والصيادلة، وإنشاء المدارس لتعليم استحضار الأدوية، وعرفوا نوعين من الصيدليات: الثابتة والمتنقلة، أما المتنقلة فكانت أشبة شيء بمستشفى الميدان، حيث كانوا يحملونها على الجمال إلى الأمكنة النائية الموبوءة أو إلى السجون أو مع الجيش إلى أرض المعركة، كما عرف المسلمون الصيدليات الخاصة والعامة، فقد كان لكل مستشفى صيدلية خاصة به، أما الصيدليات العامة فقد عرفوها في القرن الثامن للميلاد في عهد الخليفة العباسي المنصور.

علم العمران:

بيّن ابن خلدون (732-808هـ) موضوع هذا العلم فقال إنه : العمران البشري والاجتماع البشري وما يلحق هذا العمران من العوارض والأحوال.

وقد كان السابقون على ابن خلدون جزئيين في مباحثهم الاجتماعية، فتحدث بعضهم عن سياسة الملوك، وتحدث بعضهم الآخر عن المجتمع المثالي، لكن ابن خلدون درس نشوء المجتمع وتطوره وانحلاله، وعلّل ذلك، واستقصى في بحثه جميع الظواهر دون استثناء، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلخ...

واعتبر ابن خلدون أنّ كل علم له قوانينه التي لا يتخطاها، وقد حدّدها بالقوانين التالية: قانون السببيّة، قانون التشابه، قانون التباين.

وقد أكّد ابن خلدون ضرورة الاجتماع البشري لسببين:

الأول: اضطرار الإنسان إلى التعاون مع أبناء جنسه لعجز الفرد عن تأمين غذائه بمفرده. والثاني: الحاجة للدفاع عن نفسه، فالإنسان يحصل بالتعاون مع أبناء جنسه على صنع الآلات التي تنوب عن الجوارح المهيأة للدفاع عند الحيوان.

ثم درس ابن خلدون العوامل المؤثرة في المجتمع وفي تنوع العمران، فأبرز العوامل الطبيعية ومنها الإقليم، والمناخ، والتربة، وفصّل العوامل الاجتماعية ومنها: العادات والتقاليد، والعصبية والدين، والاقتصاد.

ويميّز ابن خلدون في دراسته بين نوعين من العمران: البدوي والحضري، ثم يذكر خصائص العمران البدوي فيبيّن أنه أسبق من الحضري ويتميز بقوة العصبية، ثم يعدّد خصائص العمران الحضري فيذكر أنه يتميز بكثرة الصنائع والأعمال والمكاسب وتطور العلوم والانغماس في الترف والشهوات وضعف العصبية.

ثم يتحدث ابن خلدون عن الدولة ويميّز بين الرئاسة والملك، ويذكر أنّ عمر الدولة لا يتجاوز ثلاثة أجيال، ويفصل صفات كل جيل، ثم يذكر أطوار الدولة المرتبطة بتتابع الأجيال، والتي تنتهي بانهيار الدولة.

علم المثلثات:

إنّ المؤسسين الحقيقيين لعلم المثلثات هم المسلمون، فهم الذين فصلوه عن علم الفلك، ونظموه تنظيماً شديد الشبه بتنظيمه الحديث، وهم أول من استخدم ظلال التمام والقواطع والجيوب وجيوب التمام في قياس الزوايا والمثلثات، وهم الذين نظموا جداول للظلال وتمامها وللقواطع وتمامها كما اكتشفوا طريقة لوضع جداول للجيوب، وهم الذين اكتشفوا طريقة مكنتهم من حساب مساحة المثلثات الكروية، ومما يؤكد دور المسلمين التأسيسي في علم المثلثات أنّ كلمة جيب كلمة عربية، وقد أشاد بدور المسلمين في إنشاء علم المثلثات عدد من الكتّاب منهم "رام لاندو" في كتابه (المؤثر على حضارة العرب) فقال: "إنّ حساب المثلثات في أوروبا كان مأخوذاً من علم حساب المثلثات عند المسلمين".

علم الجبر:

اخترعه محمد بن موسى الخوارزمي (780-846 م) بناء على طلب الخليفة العباسي المأمون، وفي أوروبا تسمى العمليات الحسابية التي هي قسم من أقسام علم الجبربـ(اللوغارثم) Logaritmi وهي كلمة مشتقة من اسم الخوارزمي مؤلف هذا العلم.

وقد ساعد علم الجبر المسلمين على حل مشكلات حسابية في مجال البيع والشراء مع الدول المجاورة بسبب اختلاف العملات والموازين ونظام العقود، وعلى حل مشكلات الحسابات الفلكية وحساب محيط الكرة الأرضية ومساحات البلدان والمدن ومساحات الشوارع والأنهار والضياع والبيوت، وعلى حل مشكلات الوصايا والمواريث وتقسيم التركات المعقدة.

وقد جاء علماء آخرون فأسهموا في تطوير علم الجبر، منهم: البناني، وابن يونس المصري، وابن الهيثم، وعمر الخيام، وغيرهم كثيرون حيث وصلوا بهذا العلم إلى قمة الكمال.

وليس من شك بأنّ فضل علم الجبر كبير على النهضة الحديثة، ولا يمكن أن نتخيّلها بدونه، أو قل بصورة أدق إنه لا يمكن أن تقوم وتزدهر بدونه، وذلك لأنه دخل في كل الصناعات الحديثة: صناعة السيارات، والطائرات، والقطارات، وصواريخ الفضاء ...

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة