الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَثَلُ قدرة الله على البعث

مَثَلُ قدرة الله على البعث

مَثَلُ قدرة الله على البعث

قضية البعث بعد الموت قضية قديمة جديدة، لها أنصارها، ولها خصومها؛ أنصارها المؤمنون بالله واليوم الآخر، والمعتقدون أن البعث حق، والنار حق، والجنة حق، وخصومها المنكرون لعقيدة التوحيد، والجاحدون بالبعث والنشور، والقائلون: {إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين} (الأنعام:29)، والقائلون أيضاً: {أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون} (المؤمنون:82).

وخصوم قضية البعث من المحدثين: الشيوعيون، والوجوديون، والماديون، الذين كفروا بالله ربًّا، وجحدوا باليوم الآخر، وقالوا: إنَّ الحياة مادة فحسب!! ومن ثم خاصموا الأديان، وافتئتوا عليها، وتطاولوا على أنصارها، وسخروا من أهلها. ومن هؤلاء أيضاً الذين غرتهم الحياة الدنيا، وفتنهم منجزات العلم، فقالوا ساخرين مستنكرين مستكبرين: أين الله؟!

علم الله سبحانه أن أمثال هؤلاء المنكرين والجاحدين لقضية البعث موجودون في كل زمن وحين ، فخلَّد سبحانه في كتابه الكريم مثالاً لبيان حقيقة هذه القضية؛ ليقيم الحجة على المنكرين والجاحدين، وليبين لأهل الإيمان والدين، أن البعث حقيقة كبرى من حقائق الأديان، وقدَّم الأدلة والبراهين على ما يجلي هذه القضية، ويجعل الحكم فيها حاسماً قاطعاً، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا يرتاب فيه إلا من ختم الله على قلبه وسمعه، وجعل على بصره غشاوة، فلم يبصر الحق الذي أنزله الله، ولم ير النور الذي أضاء به لعباده طريق الهداية.

ضرب الله مثلاً قرآنياً لهذه القضية المصيرية، ضمَّنه صورة مادية مُفْحِمة مقنعة، ودليلاً ملموساً، يناصر قضية البعث، ويظاهر دعوى النشور، فقال سبحانه، بعد ذكر قصة {الذي حاج إبراهيم في ربه} (البقرة:258): {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} (البقرة:259).

فهنا ضرب الله سبحانه مثلاً لرجل كان شاكاً في قضية البعث، وفي أثناء سيره في قرية من القرى التي عفا عليها الزمان، وطوى أهلها النسيان، قال في نفسه متسائلاً، أو منكراً: كيف لهذه القرية - وقد فقدت كل عناصر الحياة - أن تعود الحياة إليها ثانية، وهل إلى مرد من سبيل، فأراد الله أن يقيم له الدليل على قدرته سبحانه على البعث والنشور، وعلى الإحياء بعد الممات، فأمات سبحانه ذلك الرجل مائة عام، ثم بعثه بعد ذلك الزمن الطويل، فسأله سبحانه سؤال تقرير - وهو أعلم بحاله ومقاله -: كم لبثت في تلك الحال، فأجاب: {لبثت يوما أو بعض يوم}، فأخبره سبحانه حقيقة المدة التي لبثها في موته، وبين له عظيم قدرته، وأنه رغم تلك الفترة التي قضاها وهو في عداد الموتى، فإن طعامه وشرابه لم يتغير منهما شيء، بل بقيا على حالهما، وكذلك دابته التي كان يستعين بها في قضاء حوائجه ما زالت كما هي، وأخبره أنه فعل ما فعل به؛ ليجعل من خبره آية للناس، وليعلموا أن الله حق، {وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير} (الحج:6)، فلما تبين للرجل حقيقة ما فعل به الله، أيقين بالبعث والنشور، وسلَّم بأن الله على كل شيء قدير.

والغرض الرئيس من هذا المثل: بيان قدرة الله سبحانه على البعث ثانية بعد الممات، وبيان أن قضية البعث حق، لا مراء فيها ولا جدال، وأن من جادل فيها وعاند، فقد خسر خسراناً مبيناً، وضل ضلالاً بعيداً.

فهل يعي المنكرون للبعث هذه الحقيقة، فيعودوا لرشدهم، ويؤمنوا أن الله حق، {وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور} (الحج:7) ؟!.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة