الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (الحرج) في القرآن

لفظ (الحرج) في القرآن

لفظ (الحرج) في القرآن

من الألفاظ القرآنية التي جاءت في سياق تيسير وتخفيف التكاليف الشرعية على العباد، لفظ (الحرج). فما هو الحرج لغة، وما هي دلالته في السياق القرآني؟

تذكر كتب اللغة أن أصل الحرج والحراج مجتمع الشيئين. والحرج: الضيق والشدة، والحرجة: البقعة من الشجر الملتف المتضايق، والجمع حرج. وقال الزجاج: الحرج في اللغة: أضيق الضيق.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قرأ قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} (الأنعام:125)، قال: هل ههنا أحد من بني بكر؟ قال رجل: نعم. قال: ما الحرجة فيكم. قال: الوادي الكثير الشجر المشتبك الذي لا طريق فيه. فأصل الكلمة ورد في المحسوسات، ثم توسعوا في استعماله، ليشمل المعنويات، فقالوا: وقع فلان في حرج، أي: في مأزق وورطة.

ولفظ (الحرج) ورد في القرآن في خمسة عشر موضعاً، جاء في جميع تلك المواضع اسماً، ولم يأت بصيغة الفعل في القرآن، ومن الأمثلة عليه قوله سبحانه: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} (المائدة:6).

ولفظ (الحرج) جاء في القرآن على ثلاثة معان، هي:

الأول: بمعنى (الضيق)، من ذلك قوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} (المائدة:6)، قال مجاهد وعكرمة وغيرهما: أي: من ضيق. فيكون معنى الآية: ما يريد الله بأمركم بالطهارة بالماء أو بالتراب التضييق عليكم في الدين. ونحو ذلك قوله سبحانه: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج:78).

الثاني: بمعنى (الشك)، من ذلك قوله سبحانه: {فلا يكن في صدرك حرج منه} (الأعراف:2). قال مجاهد وقتادة والسدي: شك. وقال بعض أهل العلم: المراد بـ (الحرج) هنا: الشك. ويكون معنى الآية على ما ذكر الشوكاني: لا يكن في صدرك ضيق منه، من إبلاغه إلى الناس مخافة أن يكذبوك ويؤذوك، فإن الله حافظك وناصرك. ونحو ذلك قوله تعالى: {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت} (النساء:15).

الثالث: بمعنى (الإثم)، من ذلك قوله تعالى: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج} (التوبة:92)، أي: ليس على المتخلفين عن الجهاد بسبب ضعفهم أو مرضهم أو قلة مالهم إثم في ذلك، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} (النور:61)، (الفتح: 17).

وقوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا}، ورد فيه لفظ (الضيق)، ولفظ (الحرج)؛ إذ لما لم يكن لفظ (الضيق) وافياً في بيان المقصود، جاء بلفظ (الحرج)؛ لأن في (الحرج) من معنى شدة الضيق، ما ليس في الضيق. والمعنى: يجعل صدره غير متسع لقبول الإسلام.

وقد ذكروا في الفرق بين لفظ (الضيق)، و(الحرج) أن الحرج ضيق لا منفذ فيه، مأخوذ من الحرجة وهي الشجر الملتف حتى لا يمكن الدخول فيه ولا الخروج منه، أما (الضيق) فهو المكان الضيق، وليس بالضرورة أن يكون بلا منفذ.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة