الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أريد أن أخسر آخرتي بسبب أبي، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا إنسانة مصابة بالصرع, وظروفي النفسية سيئة جدا, وباختصار: أريد أحدا ينصحني حول عدة أشياء؛ لأني لا أريد أن أخسر آخرتي بسبب أبي.

أنا أكره أبي, وأتمنى موته في أقرب وقت, وهو السبب في قسوة قلبي عليه, ومن هذه الأسباب أنه كان يضربني ضربا شديدا جدا ويشوِّه, وأنا عنيدة, لكنه يضرب على كل شيء, حتى لو تخاصمت مع أخواتي, ويضرب أمي, وكل فترة يرسلها إلى أهلها, وبعد 5 أشهر اكتشفنا أنه خاطِبٌ ويريد الزواج, ضربنا وأجبرنا لنحضر زواجه, ثم هجرنا, ولم يعد يسأل عنا, وحمَّل أخي مسئولية البيت, استغنى عنا, ولم نعد نره إلا في عيد الفطر عندما يجتمع أعمامي, ومع هذا لا أكل ولا اهتمام, ولا نصيحة ولا تربية, ولا توجيه ولا إرشاد, وإذا سألنا عنه فلا يحب أن يكلمنا، ولا يعدل بين زوجاته وبيننا, خاصة بعدما رزقه ربي بتوأم, فقد وفَّر لهم كل وسائل الترفيه والسعادة, وما حرمهم من شيء, وأبي من القبائل التي تحقِّر المرأة, ولا يهتم إلا بالأولاد فقط, لدرجة أنه يسمح لأخي بضربي وأنا أكبر منه بتسع سنين.

أكرهه ولا أقدر على بره, لكني مجبورة عليه, لا أريد أن أعاقب بسببه, ما الحل؟
أحيانا أفكر بالهروب من سيطرتهم, لكني لا أعلم إلى أين أذهب, وأخاف أن يعاقبني ربي, وأنا أريد أن أهجره لكن كيف أبعده عني.

من ضمن أسباب ضربه لي أني أشغل القرآن وأستمع إليه فيضربني ويكسر المسجل, ويقول: أنت مجنونة, وأخواتي يشغلون أغانٍ في مسجل أكبر من مسجلي, ولا ينصحهم, ولا يخاصمهم, وكلما مرت الأيام تزيد المواقف, وتضيق نفسي.

أريد أن أعيش في جو أسري متعاون على الطاعة, لأن أبي لا يصلي, ولا يتصدق, وأذكر له مواقف يرد فيها السائلين والمحتاجين إذا هم طلبوا منه شيئا فيردهم, ويجرح مشاعرهم, ويستهزئ بهم, ويعيب على أئمة المساجد, أنا أكرهه, ولا أستطيع بره, وخائفة من ربي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مشاعل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب, نسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل، وأن يجعل لك من كل همٍّ فرجًا, ومن كل ضيق مخرجًا.

خير ما نوصيك به -أيتها الكريمة- اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى على الدوام بصدق واضطرار، وسؤاله سبحانه وتعالى أن يشفيك, وأن يفرج كربك؛ فإن التلذذ بمناجاة الله تعالى والأُنس بالوقوف بين يديه, سينسيك كثيرًا من الهموم والغموم، فاجعلي من ذكر الله تعالى بابًا لطمأنينة نفسك, وانشراح صدرك، وهو -بلا شك- إذا دخلته ستحصلين على هذا، فقد قال جل شأنه: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

لا شك -أيتها الكريمة- أن ما وصفتِ من أفعال والدك وتصرفاته معك فيها أخطاء كثيرة, وإساءة منه بالغة, لا ينبغي له أن يفعل ذلك، وهو واقع في التفريط الذي كلفه الله عز وجل أن يحفظ فيه الحقوق لأهلها, سواء كانت زوجات, أو أبناء, أو بنات، فقد أمر الله تعالى بأداء الحقوق لأهلها، وإنه بذلك يعرض نفسه لسؤال الله تعالى.

مع كل هذا -أيتها الكريمة- لا يُعفيك ذلك التصرف وتلك الإساءة من واجب مصاحبة الأب بالمعروف الذي كلفك الله عز وجل بها، فقد أمر الله تعالى بمصاحبة الوالدين بالمعروف ولو اشتد الإيذاء منهما, وكثر الضرر، فقد قال جل شأنه في كتابه الكريم: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا} فأمر بمصاحبتهما بالمعروف مع ما يصدر منهما من مجاهدة للولد ليكفر بدين الله تعالى فيكون من المخلدين في نار جهنم، وليس وراء هذا ضرر، وليس وراء هذه المصيبة مصيبة، ومع ذلك أمر الله تعالى بالإحسان إليهما, ومصاحبتهما بالمعروف بقدر الاستطاعة.

اجعلي من هذا منهجًا لك -أيتها الكريمة- واحرصي على الإحسان في المصاحبة للوالد, وذلك بطاعته في غير معصية الله تعالى، وتجنب الإساءة إليه بقولٍ أو فعلٍ، ومحاولة الإحسان إليه بما تقدرين عليه من الإحسان، وفوضي أمرك إلى الله إذا صدرت منه الإساءة، والله عز وجل لا شك ناصرك ومعينك على الخير في هذا الباب.

مما يعينك على بر الوالد والإحسان إليه -أيتها الكريمة- أن تتذكري إحسانه القديم إليك، فإنه مهما أساء الآن لكنك بلا شك -عند الإنصاف, والتفكر بعقل- ستجدين أن هناك إحسانا كثيرا قد يخفى عليك، فهو السبب في وجودك في هذه الدنيا أولاً، ثم هو من أعالك وأنفق عليك وأنت صغيرة فقيرة لا تملكين شيئًا.

هو مع هذا كله -أيتها الكريمة- لا يخلو أبدًا من محبة الوالد لولده؛ فإن هذه فطرة فطر الله عز وجل عليها المخلوقات سواء أكانوا آدميين أو بهائم، فلا تغفلي أبدًا عن هذا المعنى، فإنه مهما أساء سيبقى يحمل في قلبه أيضًا قدرا من الحب لك، وإن أخفى عنك هذا الحب تلك التصرفات التي تظهر منه بين الفينة والفينة.

وصيتنا لك -أيتها الكريمة-: أن تعتصمي بالله تعالى، وأن تلجئي إليه، وتسأليه الإعانة على كل ما فيه خير لك، وتحسني ظنك بالله تعالى، فإنه كريم رحيم لطيف بعباده، فانتظري منه الفرج، وحسّني علاقتك به، وأحسني الظن به، وهو لا محالة سيجعل لك فرجًا ومخرجًا بإذنه تعالى، وما تعانينه من آلام المصائب وكُرَبِ هذه الحياة مدخر لك ثوابه وأجره عند الله تعالى، فترتفع درجتك في الآخرة وتبلغين منازل ما كنت لتبلغيها بأعمالك إذا صبرت على ما يُصيبك في هذه الدنيا، والحياة أمرها هينٌ سهل، فإنها عن قريب ستنتهي.

نسأل الله تعالى لك الإعانة والتوفيق، وأن ييسر لك الخير، ويجعل لك من كل همٍّ فرجًا, ومن كل ضيق مخرجًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً