الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نتعامل مع قسوة والدي وبخله؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني:
أولا: أشكر الله ثم أنتم، فلدي استشارات سابقة لديكم، و-الحمد لله- أنا بصحة وعافيه أفضل من السابق بكثير، ووالله أدعو لكم من القلب أن يجزيكم الله خير الجزاء.

أحب أن أبشركم أني واظبت على صلاتي -والحمد لله-، والله أقولها لينتفع ضعيفو الإيمان. في رمضان الذي فات سجدت ودعوت ربي من قلبي أن يهديني إلى طريقه، ويثبتني، ومن بعدها إلى الآن وأنا مواظب على صلاتي والحمد لله، ولأول مرة -والشكر لله- وحالتي النفسية أفضل من أول.

أما الآن مشكلتي مع والدي، شديد العصبية أغلب الوقت، وبعض الأحيان لا يرفض طلبا، ولكن بعض الأحيان يقوم بقذفي أنا وأمي، ويصفها بأوصاف بشعة، والجميع يثني على الوالدة -من باب الإنصاف، وليست لأنها أمي فأنا إنسان محايد- فهي تصلي، وتصوم، وحجت، وتصلي التراويح كاملة، وتصلي الوتر، ولا تستمع إلى الأغاني، وخففت زيارة إخوتها بسبب أنهم يغتابون الناس ...إلخ، ولكن أبي يتمادى بلسانه عليها، وإذا كنت موجودا لا يفعلها أمامي، ووالدتي لا تخبرني، ولكن إخوتي يخبرونني؛ لأنه يعرفني أني ذو شخصية ليست بالضعيفة ولا القوية جداً.

أنا -والحمد لله- منذ سنين طويلة لا أرفض له طلباً أبداً، وأعينه في أي شيء يطلبه مني، ولكن هو بخيل، وغريب في بعض الأمور، ومنذ (8) سنوات أصابته جلطة في الرأس، وأصبح ينسى بعض الشيء، ويحرجني أمام أصدقائي، ولا أهتم، ويسب المتوفين مثل جدي...إلخ.

هو عاقل، وليس به علة إلا النسيان فقط، وهو طبعه -منذ زمان- هذه التصرفات، ولكن زادت، ويملك المال -الحمد لله- أملاكه تقدر بـ (8) مليون، ودخله طيب جدا، ومشكلته أنه لا يرى النعمة التي أنعهما الله عليها مثل الأبناء البارين، والمرأة الحنونة، وينظر إلى النقص المتواجد عندي ويعيبني به، ويعيرني بأني مثل الحرمة؛ لأني ليس لدي وظيفة، وأنا أقول له: هذا قدر الله، ولا أعارضه، فإن أراد الله أن يرزقني فسيرزقني -طبعا مع الاجتهاد الشخصي-، ولكنه يرفض، وقد رجعت إلى دراستي وأكمل البكالوريوس، والآن أنا في السنة (3)، ولكنه يشتمني.

بعض الأحيان يدفع من المال كثيراً، وبعض الأحيان (5) ريال ما يدفعها -وبصراحة- الناس تبتعد عنه، وتقول لي: الله يعينك! ولكن أنا متحمل؛ لأنه من واجبي أن أطيعه؛ لأجل مرضاة ربي فقط، فأريد أن أعرف ما هي محدودية طاعة الوالد؟ وهل من الواجب علي محبته أم البر فقط به؟ وهل يكفي أن أسلم عليه وأقضي حوائجه -لأني لا أستطيع التحدث إليه؛ فبعد دقيقتين سيشتمني وأنا لا أتحمل- أم لا بد أن أجلس معه وأتحدث إليه؟ فليس هناك من إخوتي أحنّ عليه غيري، لكن لا فائدة.

عند طلب شراء سيارة أخرى لي يرفض، ويقول لي: اشترها بنفسك. ورغم أن السيارة ليست لي وحدي، بل السيارة لجميع أفراد أسرتي، وعندما كلمته بفتح محل تجاري لي، وشجعني أقاربي؛ لأني أعمل ولست كسولا، رفض. وأطالبه بأن يحضر سائقا خاصا لنا فيرفض، وهو لا يستطيع تحمل عبء المشاوير، فأقوم بها أنا، وأنا تعبت من كثرتها؛ فلدي (8) أفراد الأسرة، وهو لديه القدرة على نفقتها، ويرفض بحجة المال.

حاولت معه أن نحج معا -أنا وهو- بحكم أنه كبير، ولم يحج إلى الآن فرفض وغضب مني، لقد تعبت بالفعل!

السؤال الثاني بخصوص علاج (باروكسات): أنا أستخدمه وأقطعه منذ سنتين، وأرجع إليه بعد رجوع المرض، والآن مستمر عليه (3) شهور، فما هي أفضل مدة مناسبة أقضيها باستخدام العلاج؟ وقوة الذي أستخدمه (30)، أريد مدة ممتازة لكي لا ترجع إلي الأعراض، وهل فعلا يسبب الإدمان ولن أستطيع تركه؟

السؤال الثالث ديني -وأنا آسف على كثرة الأسئلة-:
هل تفسير كلام الله -عز وجل-: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) يعني أن كنت أظن أن الله غفور ورحيم أكثر من أنه شديد العقاب فسيكون معي بالظن الذي ظننت به؟ وكيف أعرف أن الله راض عني؟

أنا أصلي، وأصوم، وأستمع إلى الأغاني قليلا، وأتصدق، وأبر بوالدي، وأدعو لهما في كل صلاة بالمغفرة والرحمة، ولا أرفض لهما أي طلب؛ خوفا من الله، فهل هذه نعمة من الله علي أن جعلني أطرق الطريق الصحيح؟

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ meshoo حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك في موقعك، ونشكر لك البر لوالديك وحسن السؤال، وأتبع حسن الظن بالله طيب الفعال، ونسأل الله أن يوفقك ويصلح الأحوال، وأن يحقق لك ولأفراد أسرتك الآمال.

لقد أسعدنا التزامك بالصلاة، وانتظامك فيها، وأفرحتنا رغبتك في الخير والبر، ونتمنى أن تشكروا للوالد معروفه، وشجعوا الوالدة على تفادي ما يغضبه، واستمر في بر والدك ومساعدته، واغتنموا أوقات سخائه وإقباله، وطيبوا خاطره، وأعطوه حقه من الاهتمام، ولا تنحازوا للوالدة وتتركوه؛ فإن هذا يجعله يشتد على الوالدة وعليكم.

إذا كانت الوالدة مصلية ومطيعة لله فلن يضرها ما يقوله، ونتمنى أن تجد منكم التشجيع والتخفيف والعرفان بفضلها؛ فإنها بحاجة إلى دعمكم المعنوي.

نوصيك بمشاركة الوالد، واختيار الأوقات المناسبة لعرض طلبات الأسرة، ولا مانع من الاقتراح عليه بتوسيع التجارة، وشجع إخوانك على القرب منه والبر، وقد أسعدنا برك له، ونتمنى أن تصل إلى درجات الحب له؛ فهو أب، وكفى بكلمة (الأب) رفعة وقيمة، والله سبحانه لا يكلفك مالا تطيق، ولكن تعوّذ بالله من كل شيطان مريد يحاول أن يباعد بينكم وبين والدكم، وعامل عدوك بنقيض قصده، وهمّ الشيطان أن يحزن أهل الإيمان، وأن يغرس العداوة بينهم، فتعوذوا بالله من شره وشرره.

هذه وصيتنا لكم بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونوصيك بأن تظن بربك خيرا، فهو الغفور الرحيم، واعلم أن الأمر كما قال الحسن البصري: (لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل) فحسن ظنك بالله، وجوّد عملك لله، وأبشر بالخير من الله.

سعدنا بتواصلك، ويفرحنا أن تكمل دراستك، وأن تنجح في الحج بوالدك، ولا تقل له: لأنك كبرت في السن -يا والدي-، ولكن استخدم الترغيب والتشجيع.

نسأل الله أن يوفقك ويسعدك، وأن يقر أعينكم بصلاح الوالد وبإقباله على أسرته.
+++++++++
انتهت إجابة د/ أحمد الفرجابي المستشار الأسري والتربوي، وتليها إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
+++++++++

بالنسبة للعلاج الدوائي وهو (زيروكسات Seroxat) (باروكستين Paroxetine) فأنت لم توضح الأسباب التي جعلتك ترجع لتناوله، وعمومًا إن كان هنالك بالفعل حاجة له فيجب أن تكون الجرعة في أقل ما يمكن، وجرعة الثلاثين مليجرامًا ليس من الضروري أن تكون هي الجرعة الأصلح لك، كثير من الناس يستفيدون فقط من جرعة عشرين مليجراماً، ولابد أن تُفعل آليات العلاج الأخرى، آليات تعديل السلوك، حسن تطوير الذات، والتواصل الاجتماعي، وأن تجعل لحياتك هدفًا ومعنىً.

هذا هو الذي أنصحك به، وفيما يتعلق بالجزئية الأخرى وهو موضوع علاقتك مع والدك: كما نصحك الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي: يجب أن تكون بارًا بوالدك مهما كانت الظروف، وأنا أقول لك: أنت مطالب بشيء وهو: أن تُعيد تقييم علاقتك بوالدك، وأن تسترجع نفسك فيما يخص السمات التي تراها سيئة في والدك، ربما يكون هنالك مبالغة في تقييمك، ربما لم تستطع إنصاف والدك؛ لأنك كنت في لحظة غضب. فإذًا إعادة التقييم مهم جدًّا.

ثانيًا: والدتك –حفظها الله– لها القدرة على أن تتعامل مع والدك، هذا أمر مهم جدًّا، ويجب أن تكون تدخلاتك فيما بين والديك في حدود ما هو معقول جدًّا.

الأمر الآخر: يجب أن نتجنب تكوين أي أحلاف داخل الأسر، كثيرًا ما تحدث أحلاف داخل الأسر، وهذه الأحلاف تكون ضد شخص معين أو مع شخصٍ معين، هذا يجب أن نتجنبه تمامًا، وأنا أعرف أنك على إدراك بذلك، لكن وددتُّ أن أنبِّهك.

طريقة التعامل مع الوالد يجب أن تكون فيها الصبر والأناة، وأن تُقدِّم له دائمًا الخير، وأنا متأكد أن التزامك بهذا المنهج – منهج التأدب والطاعة والصبر والقبول له– سوف يجعل نفسك تتروض على ذلك، وتتواءم معه، وفي ذات الوقت سوف يجعل والدك يندفع نحوك اندفاعًا إيجابيًا، هذا أمرٌ معروف ومُجرب، فأرجو أن تفطن لهذه الجزئية، وأتمنى أن تكون أسرتكم دائمًا في سعادة واستقرار.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً