الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا محتار بين إكمال الماجستير أو التوجه للعمل، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

عمري 25 سنة، وقد تخرجت في الجامعة، عندما كنت صغيرًا كان أبي وأمي منشغلين دائمًا في المشاكل التي كانت دائرة بينهم والتي انتهت بالطلاق بعد 15 سنة من الزواج، وكان عمري وقتها 16 أو 17 سنة، تأثر بعض أخواني بهذه المشاكل إلا أنه لم يكن يظهر عليّ أي أثر واضح لأنني كنت مشغولًا بالكمبيوتر، ثم بعدها اللابتوب، وما زلت حتى اليوم مدمنًا على اللابتوب..

دائمًا ما أتردد عند اتخاذ أي قرار سواء كان صغيرًا أم كبيرًا، فمثلًا في الدراسة أقول سأعتمد على الحفظ أثناء دراستي، ثم بعد فترة أقول الفهم أولى من الحفظ، فأترك الحفظ وأكتفي بالقراءة، ثم أتردد مرة أخرى وأقول لماذا تركت الحفظ، كان أولى وأسرع من أن أعيد القراءة للكتاب مرتين أو ثلاثة، فأعود للحفظ وهكذا، ومثل هذا التردد موجود في جميع أمور حياتي، حتى إذا كانت زيارة لصديق أتردد هل أقبل أم أؤجلها، وفي كلا الأمرين أرى أنني لم أختر الأصوب.

بعد أن تخرجت من البكالوريوس (شريعة)، اقترح علي والدي أن أكمل (ماجستير) إلا أنني رفضت لأن خطتي من البداية كانت أن أقف عند دراسة بكالوريوس شريعة ثم أقوم بأخذ دورات وشهادات في الكمبيوتر؛ لأستطيع أن أعمل في المجال الذي أبرع فيه وأحبه، إلا أنني نزلت في النهاية تحت رغبة أبي وبدأت أول فصل في ماجستير الشريعة، وما زلت أذكر العذاب النفسي الذي أصابني في أول يوم لي، إلا أنني أجبرت نفسي على الإكمال، ومع الوقت فقدت حماستي للإكمال في الكمبيوتر.

ما زلت حتى الآن مترددا هل أكمل في ماجستير الشريعة -بالرغم من أني لا أحبه- أم لا؟ أنا أعلم أنني إذا تركت الماجستير فلن أبحث عن دورات كمبيوتر لسببين:

الأول: أنني فقدت الحماس لذلك؛ لأن عمرى أصبح 25 سنة ولا مجال للبداية من جديد، حيث أنني لا أملك أي وظيفة حاليًا، فالشريعة هي الأنسب للوظيفة بما أني أملك شهادة جامعية بها.

الثاني: لا أمتلك الثقة في نفسي أن أذهب وأبحث بشكل مستقل عن عمل، فقد تعودت (إلى الآن) على أن أبي هو من يقوم بحل مشاكلي، لهذا فإنني إن خرجت من الماجستير فلا أملك أي فكرة عن مستقبلي المهني.

مع العلم أنني استخرت في هذا الموضوع أكثر من 4 مرات، وكلما كلفت بمهام إضافية في الماجستير يعود التردد مرة أخرى.

في الختام أعتذر على الإطالة، ولكن أحببت أن أرسم لحضرتكم الصورة كاملة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ New_Account حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:

- مشكلتك تركزت حول التردد في اتخاذ القرار، وعدم معرفة الصواب من الخطأ.

- هذه المشكلة تنشأ أحيانا من عدم عناية الوالدين بالولد منذ وقت مبكر، وتدريبه على اتخاذ القرارات وتكليفه بمهام، وانحصار تجربة وخبرة الولد في مجالات محدودة، واعتماده على من يقوم بتدبير أموره.

- أنت الآن صرت رجلا، وعليك أن تعتمد على الله أولا ثم على نفسك في تدبير حياتك، وأن تكون متوكلا على الله في كل أمورك فمن توكل على الله كفاه ومن استعان به أعانه.

- اختلط بالصالحين ممن هم في سنك أو أكبر وراقب تصرفاتهم، واستفد من خبراتهم وتجاربهم ولا تهمل استشارتهم، ومن ثم استخارة الله من خلال أدائك لصلاة الاستخارة والدعاء بالمأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عقب الصلاة، ومن ثم تمضي في عمل ما تتيسر لك أسبابه، أو تنظر ما ينقدح في قلبك، وتسير في تنفيذه، وستجد الأسباب تتيسر لك، فأنت حين تستخير الله لن يختار لك إلا ما فيه الخير، وعليك أن توقن بذلك وألا تتردد فاختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك؛ لأن الله يعلم ما يصلح العبد.

- أنصحك أن توثق صلتك بالله تعالى وأن تجتهد في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من العمل الصالح، فإذا قوي إيمانك كان الله معك يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) وجاهد نفسك في نيل مرضاة الله يهدك الله سبل الخير كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

- أكثر من التضرع بالدعاء ين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسله أن يهديك ويوفقك ويسددك، وكن على يقين أن الله لن يرد يديك صفرا.

- داوم على رقية نفسك صباحا ومساء بما تيسر من القرآن الكريم والأدعية المأثورة، فسيكون لذلك أثر طيب في حياتك.

- تعلم من أخطائك فالطريق الذي قد جربته وعلمت فشله في إيصالك إلى هدف ما لا تعد إليه مرة أخرى إلا إذا توفرت الأسباب لذلك.

- من يعمل ويجرب لا بد أن يخفق في بعض المرات، لكنه يتعلم، فكن مقداما وشجاعا ولا تتردد، فالمتردد سيبقى مستروحا مكانه.

- هنالك مؤلفات حول إدارة الذات وكيفية اتخاذ القرار، بإمكانك الاستفادة منها، فهي كتب قيمة في بابها وإن كان بعضها مترجما، لكننا أمرنا أن نأخذ بالحكمة بغض النظر عن قائلها.

- الإنسان في هذه الحياة لا يكون على وتيرة واحدة في حياته، بل هو متقلب بين النشاط والجد والعمل وبين الكسل والفتور والتقصير، وقد أرشدنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى استغلال أوقات النشاط، وإقبال النفس على العمل بجد ونشاط، ونبقي العمل مستمرا، ولو بأدنى مستوى في حال الفتور والكسل، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).

- أنصحك أن تحدد هدفك في هذه الحياة وتواصل دراساتك العليا، فإن دخولك في سوق العمل سيحول بينك وبين الارتقاء في هذه الحياة، أو سيصعب ذلك، ولهذا كان عمر -رضي الله عنه- يقول:" تعلموا العلم قبل أن تسودوا".

- ينبغي استغلال فترة النشاط واستثمارها في التحصيل العلمي، وسيأتي فترة من الزمن لا يكون للبكالوريوس أي قيمة في سوق العمل، خاصة إذا أصبحت مخرجات الجامعات أغلبها ماجستير ودكتوراه، فأنصحك أن تتوكل على الله وتواصل دراستك، وبما أنك تخرجت في كلية الشريعة فمن المناسب أن تواصل في نفس المجال مع إخلاص النية لله تعالى، ولا بأس أن تجعل تخصصك في مجال الاقتصاد الإسلامي أو في مجال الأنظمة والقوانين أو القضاء، ففي ذلك نفع للأمة، وسوق العمل يحتاج إلى هذه التخصصات.

نسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد في حياتك، ونسأل الله لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً