الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من وحدتي وانسحابي من أهلي

السؤال

السلام عليكم

مشكلتي بدأت منذ ثلاث سنوات، تغيرت تماما، ولم أعد أعرف نفسي أبدا، أعاني من فراغ عاطفي كبير، وتفكك وانهدام أسري، أول مشاكلي وخلافاتي كانت مع زوجة أخي، ومن بعدها مع فتاة في المدرسة، ومنذ سنتين مع إخوتي الذين كانوا أقرب الناس لي.

أحس أن شيئا انكسر بيننا، والمشاكل والغيرة بيننا لا تنتهي، والسبب عدم استقلاليتنا في شيء، إضافة إلى أخي الكبير الذي حطمنا، وأبي الذي تركنا، وأمي المريضة مع مشاكلي أنا وإخوتي، أفكر بالانتحار، وصرت أحب الوحدة والانطوائية، وأعيش عالما خاصا بي.

أحب قفل باب المجلس، وأعيش أحلام يقظة، وأكون بمفردي، أرتاح من أهلي، إذا خرجوا لا أخرج معهم وأبقى بالبيت؛ لأني أحب أن أكون لوحدي، دائما أبعد وقت نومي عن نومهم، وهذا الشيء أتعبني كثيرا، ولا أقدر أن أفكر بمستقبلي ولا بشيء، أشعر بخوف دائم، وجود أهلي بجانبي يزعجني حتى بالنوم، فأصبت بأرق واضطراب، لا أنام من صوت ضجيجهم، وإذا أخبرتهم بمعاناتي يقولون: أنتِ مجنونة ويحطمونني.

قررت الوحدة والانسحاب، لكنني تعبت، ولا أقدر أن أستقل بمفردي، وأخاف أن تستمر هذه المعاناة معي طول عمري حتى بعد الزواج، كيف أتخلص من وحدتي وانسحابي من أهلي، وأعيش طبيعية بدل الهروب والخوف منهم؟ فهل يوجد دواء يعينني لأنني تعبت؟ أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:

الفراغ العاطفي لا يعالج بالانطواء والانفراد، بل يعالج في إعادة اللحمة إلى أسرتك من خلال إصلاح ذات البين، والترغيب في ذلك، وبذل الجهد من أجل حل المشاكل التي أدت إلى تفكك الأسرة، ونشوء الأنانية وحب المصالح الذاتية، وعدم الإحساس بالآخرين.

التفكك الأسري يعالج بالصفح والعفو وغض الطرف عن الإساءات، والشعور بالمسئولية كل تجاه الآخر، وحب الخير للآخرين، وبذل الوسع في إسعادهم، وتذكير كل شخص بما له من حقوق وما عليه من واجبات.

لا بد أن ينبري شخص من أسرتك ولتكوني أنت المبادرة لذلك، كونك تحسين بهذا الداء ينتشر في أوساط أسرتك، فاقرعي ناقوس الخطر، وابدئي بأقرب إخوانك إليك، وهكذا حتى تشكلوا قوة ضاغطة تستطيع التأثير في الباقين.

الهروب والعيش بانفراد لن يحل مشاكلك، بل سيدخلك في مشكلة جديدة وهي حب الانطواء، وهذا قد يؤثر على حياتك المستقبلية كما ظهر من تخوفك.

اقتربي من والديك وتذللي بين يديهما، وأحسني إليهما واطلبي رضاهما، وذكريهما بالله تعالى فلعل كلمة منك تدخل إلى قلبيهما فيصلح الله بها الحال، واقتربي من إخوانك، وأد ما أوجب الله عليك تجاههم، حتى ولو لم يبادلونك الشعور فلن يخيب الله جهدك، ولا بد أن يكون لذلك ثمرة عاجلا أو آجلا.

وثقي صلتك بالله تعالى واجتهدي في تقوية إيمانك؛ من خلال الإكثار من العمل الصالح، فالحياة السعيدة لا تعطى إلا لمن آمين وعمل صالحا يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

كثير من المشاكل التي تحدث بين الأسر من أسبابها الذنوب والمعاصي يرتكبها الجميع أو البعض، فالأسرة لحمة واحدة كالجسد الواحد يقول -عليه الصلاة والسلام-: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه)، ولتدركي أن وقوع الذنب من شخص يؤثر على الباقين أذكر لك هذه الآية يقول تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، هذه الآية نزلت في الصحابة -رضي الله عنهم- حين عصوا وخالفوا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- تحولت معركة أحد من نصر إلى هزيمة، فلما تساءلوا كيف حصل هذا أنزل الله عليهم هذه الآية، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: (لولا بنوا إسرائيل لم يخنز اللحم)، أي لولا ذنوبهم لم يتعفن اللحم، وتأملي في الحجر الأسود الذي نزل من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج، قال عليه الصلاة والسلام: (سودته ذنوب المشركين).

لعلك تدركين أن الانتحار محرم، ولن يحل مشاكلك بل سينقلك من عذاب الدنيا المحتمل إلى عذاب النار الذي لا يتحمله أحد، فأكثري من تلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة، واجعلي لسانك رطبا بذكر اللهن فبذلك ستشعرين بالراحة والطمأنينة وبطعم الحياة، ومن أفضل علاجات الهموم والكروب كثرة الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي الحديث (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

من وجد الله فماذا فقد، ومن فقد الله فماذا وجد، وإذا استوحشت من البشر فاستأنسي بالقرب من رب البشر، فإنه أنيس من لا أنيس له.

الاعتذار من الإساءة بلسم لجروح القلوب، وماحيا لكدر النفوس، وجالبا للمحبة والألفة، ومرمما لجدار الأخوة، فاعتذري من كل من ساءت معاملتك معهم، واحذري من التردد ومن وساوس الشيطان الذي لا يحب أن يكون المسلمون متآخون، بل يسعى لجعلهم يتدابرون ويتباغضون.

اجلسي مع نفسك، وخذي ورقة وقلما واكتبي ما ستبتكرينه من أساليب معينة لإعادتك إلى الحياة الطبيعية مع أسرتك ومن محولك من الناس، واكتسبي الأخوات والصديقات الصالحات، والتحقي بدار لتحفيظ القرآن الكريم، وشاركي في الأعمال الخيرية والاجتماعية في حيك، واشغلي أوقاتك بكل عمل مفيد، وممارسة الرياضة المتاحة، ولا تتركي وقتا للفراغ.

رتبي أوقاتك، وساعدي أسرتك في الأعمال المنزلية، وبهذا تقضين على الفراغ الذي لن يجعل لك وقتا للانطواء، وارق نفسك صباحا ومساء، وشغلي سورتي البقرة وآل عمران في البيت، فإن لهما أثرا عجيا -بإذن الله- ستلمسينه أنت وأسرتك.

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً