الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحوال وحكم التحدث بالنعم

السؤال

لي صديقة متدينة، وعلى خلق عال، حالتها المادية في السابق ومع زوجها ضعيفة، ولها مشاكل وخلافات مع والدتها القاسية عليها، وكذلك مع أهل زوجها، وفي عملها بسبب تدينها، وكذلك لأسباب أخرى، وأنا ولله الحمد بفضل الله على أعطاني الله والدة طيبة حنون، وأسرة متوادين ملتزمين دينيا وأخلاقيا، وحالتنا المادية والاجتماعية عالية ولله الحمد والمنة.
وسؤالي: تكون بيني وبين صديقتي أحاديث بصفه مستمرة، فهل يجوز لي التحدث عن أوضاعنا الاجتماعية الطيبة، وعن حنان والدتي وأسرتي علي، وأنا أخشى أن تجرحها هذه الأحاديث بالرغم من تفاعلها معي بشكل إيجابي ورغبتها في إكمال الحديث ؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الأصل أن يحدث الإنسان بنعمة الله عليه؛ لأن هذا من شكر النعمة، قال تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى: 11}

جاء في تفسير ابن كثير: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أي: وكما كنت عائلا فقيرًا فأغناك الله، فحدث بنعمة الله عليك، كما جاء في الدعاء المأثور النبوي: واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها وأتمها علينا. انتهى، ثم ذكر قول ابن جرير بإسناده إلى أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدّث بها. انتهى

قال ابن العربي: إذا أصبت خيرا أو علمت خيرا فحدث به الثقة من إخوانك على سبيل الشكر لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعا: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بالنعمة شكر وتركها كفر... اهـ

ولكن إذا كان التحدث بالنعمة على سبيل الفخر والاختيال والتعالي على الناس فإن ذلك لا يجوز، قال الله سبحانه: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {الحديد: 23} وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر. رواه ابن ماجة وغيره وصححه الألباني. والمعنى: أقول هذا تحدثا بنعمة الله علي ولا أفتخر به لأن هذه الفضيلة إنما نلتها كرامة من الله، لم أنلها من قبل نفسي، ولا بلغتها بقوتي فليس لي أن أفتخر بها.

وكذا فإنه ينبغي كتمان النعمة وعدم التحدث بها إذا خشي الإنسان على نفسه الحسد والكيد من عدو حاقد أو صديق حاسد، ومن هذا الباب ما كان من يعقوب عليه السلام عندما أمر ابنه يوسف أن يكتم رؤياه عن إخوته لئلا يكيدوا له كيدا، قال سبحانه حكاية عنه: قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ {يوسف: 5}

وكذا فإنه ينبغي عدم التحدث بالنعمة عند المحروم من هذه النعمة، إذا خشي أن يحدث ذلك كسرا في قلبه، فقد نهى الشرع عن كل ما من شأنه أن يتسبب في إيذاء المسلمين أو جرح مشاعرهم وكسر قلوبهم.

وعلى هذا فأنت أيتها السائلة أعلم بصديقتك وأخبر بحالها، فإن خشيت أن يحدث هذا ضيقا في صدرها وكسراً في نفسها – كما ذكرت - فلا ينبغي لك أن تحدثيها به مراعاة لظروفها وحفاظا على مشاعرها، أما إن كانت ممن لا يأبه بهذا ولا يتأثر به، فلا حرج عليك إن أنت حدثتها بذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني