الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما هو الإيمان؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالإيمان لغة: التصديق، واصطلاحًا: قول باللسان، وتصديق بالجنان (القلب)، وعمل بالأركان (الجوارح)، قال الإمام أحمد بن حنبل: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. وقال الإمام البغوي: اتفقت الصحابة، والتابعون، فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان... وقالوا: إن الإيمان قول، وعمل، وعقيدة. اهـ من شرح السنة. وقال الإمام الشافعي -كما في شرح أصول اعتقاد أهل السنة-: وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان: قول، وعمل، ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر.

ولا فرق بين قولهم: إن الإيمان: قول وعمل، أو قول وعمل ونية، أو قول وعمل واعتقاد.

فكل ذلك من باب اختلاف التنوع، فمن قال من السلف: إن الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح

ومن زاد الاعتقاد، رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب.

ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول: الاعتقاد (قول القلب)، وقول اللسان، وأما العمل، فقد لا يفهم منه النية (عمل القلب)، فزاد ذلك.

وخلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان في الاصطلاح الشرعي أنها: مركبة من قول، وعمل، والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام (الشهادتين). والعمل قسمان: عمل القلب، وهو نيته، وإخلاصه، وعمل الجوارح.

فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب، لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها، وكونها نافعة.

وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته، وانقياده، كما لم ينفع إبليس، وفرعون، وقومه، واليهود، والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سرًّا وجهرًا، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن به. انظر: الصلاة وحكم تاركها للإمام ابن القيم.

وقد دل على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، نصوص كثيرة من الكتاب، والسنة، نذكر بعضها باختصار، ومنها: قوله تعالى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، وقوله تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:7]، فهاتان الآيتان أفادتا أن الإيمان أصله في القلب، وهذا يشمل قول القلب وعمله، ولا بد في الإيمان من قول اللسان؛ بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى. رواه البخاري، ومسلم. قال الإمام النووي عقب هذا الحديث: واتفق أهل السنة من المحدثين، والفقهاء، والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما، لم يكن من أهل القبلة أصلاً.

وأما العمل، فهو داخل في الإيمان أيضًا؛ لأدلة كثيرة: منها قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، أي: صلاتكم، قال الحليمي: أجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فثبت أن الصلاة إيمان، وإذا ثبت ذلك؛ فكل طاعة إيمان؛ إذ لم أعلم فارقًا في هذه التسمية بين الصلاة، وسائر العبادات. وبّوب البخاري في صحيحه: باب الصلاة من الإيمان. وقوله صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. رواه البخاري، ومسلم. وهذا لفظ مسلم، والحديث دليل على إدخال الطاعات في الإيمان، سواء كانت قولية، أم قلبية، أم عملية، قال الإمام ابن القيم في كتاب الصلاة: الإيمان أصل له شعب متعددة، وكل شعبة تسمى إيمانًا، فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة، والحج، والصوم، والأعمال الباطنة، كالحياء، والتوكل...

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني