الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إثبات الوجه والعين واليدين لله تعالى لا يستلزم التركيب

السؤال

شيخي الجليل, ألا يدل إثبات صفة الوجه واليدين والعين لله ـ تبارك وتعالى ـ على التركيب والأجزاء؟ أوضحوا لنا بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن أهل السنة يثبتون ما أثبته الله تعالى لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ويفوضون العلم بكيفيتها إلى الله عز وجل، فهم لا يثبتون له صفات كصفات البشر حتى ينقض قولهم بتوابع الصفات البشرية ولوازمها، وبيان ذلك في ما يخص هذا السؤال أن نقول: الوجه واليد والعين في البشر أبعاض وأجزاء، لأنها قد تفارق الجسم، وأما صفة الوجه والعين واليد لله تعالى فليست أبعاضا ولا أجزاء، لأن الأبعاض هي ما جاز مفارقتها وانفصالها، وذلك في حق الرب تعالى محال، فليست هي في حق الله سبحانه جوارح مركبة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، قال الإمام الدارمي في نقضه على المريسي: أما ما ادعيت أن قوما يزعمون أن لله عينا فإنا نقوله، لأن الله قاله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأما جارح كجارح العين من الإنسان على التركيب، فهذا كذب ادعيته عمدا، لما أنك تعلم أن أحدا لا يقوله، غير أنك لا تألو ما شنعت، ليكون أنجع لضلالتك في قلوب الجهال، والكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، فمن أي الناس سمعت أنه قال: جارح مركب؟ فأشر إليه، فإن قائله كافر، فكم تكرر قولك: جسم مركب، وأعضاء وجوارح وأجزاء، كأنك تهول بهذا التشنيع علينا أن نكف عن وصف الله بما وصف نفسه في كتابه، وما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن وإن لم نصف الله بجسم كأجسام المخلوقين، ولا بعضو ولا بجارحة، لكنا نصفه بما يغيظك من هذه الصفات التي أنت ودعاتك لها منكرون، فنقول: إنه الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ذو الوجه الكريم، والسمع السميع، والبصرالبصير، نورالسموات والأرض. اهـ.

وذكر الدكتور عبد الرحمن المحمود في أطروحته للدكتوراة: موقف ابن تيمية من الأشاعرة ـ مناقشة شيخ الإسلام لأدلة نفاة الصفات الخبرية ـ ومنها دليل التركيب والتجسيم ـ فقال: أما دليل التركيب والتجسيم، فهو من أشهر أدلتهم وأكثرها دورانا في كتبهم، وقد بين شيخ الإسلام بطلان حجتهم من خلال الوجوه التالية ـ فذكر خمسة أوجه فكان الخامس منها: والذين يدعون أن في إثبات العلو أو الوجه واليدين تركيبا، يرد عليهم بأنه يلزمهم التركيب فيما أثبتوه من الصفات كالحياة والعلم، يقول شيخ الإسلام: فإن قال من أثبت هذه الصفات التي هي فينا أعراض كالحياة والعلم والقدرة، ولم يثبت ما هو فينا أبعاض كاليد والقدم: هذه أجزاء وأبعاض تستلزم التركيب والتجسيم، قيل له: وتلك أعراض تستلزم التجسيم والتركيب العقلي، كما استلزمت هذه عندك التركيب الحسي، فإن أثبت تلك على وجه لا تكون أعراضا، أو تسميتها أعراضا لا يمنع ثبوتها، قيل له: وأثبت هذه على وجه لا تكون تركيبا وأبعاضا، أو تسميتها تركيبا وأبعاضا لا يمنع ثبوتها، فإن قيل: هذه لا يعقل منها إلا الأجزاء، قيل له: وتلك لا يعقل منها إلا الأعراض، فإن قال: العرض ما لا يبقى وصفات الرب باقية، قيل: والبعض ما جاز انفصاله عن الجملة، وذلك في حق الله محال، فمفارقة الصفات القديمة مستحيلة في حق الله تعالى مطلقا، والمخلوق يجوز أن تفارقه أعراضه وأبعاضه فإن قال: ذلك تجسيم، والتجسيم منتف، قيل: وهذا تجسيم، والتجسيم منتف، وهذا منهج في الإلزام قوي، كثيرا ما يستخدمه شيخ الإسلام مع نفاة بعض الصفات خاصة. اهـ.

ويحسن الرجوع للكتاب للوقوف على بقية الوجوه لفائدتها.

وقال ابن الموصلي في مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم: قالت طائفة أخرى: ما لم يكن ظاهره جوارح وأبعاضا كالعلم والحياة والقدرة والإرادة والكلام لا يتأول، وما كان ظاهره جوارح وأبعاضا كالوجه واليدين والقدم فإنه يتعين تأويله لاستلزام إثباته التركيب والتجسيم، قال المثبتون ـ يعني أهل السنة المثبتين للصفات: جوابنا لكم هو عين الذي تجيبون به خصومكم من الجهمية والمعتزلة نفاة الصفات، فهم قالوا لكم: لو قام به سبحانه صفة وجودية كالسمع والبصر والعلم والقدرة والحياة لكان محلا للأعراض ولزم التركيب والتجسيم والانقسام، كما قلتم: لو كان له وجه ويد وإصبع لزم التركيب والانقسام وحينئذ فما هو جوابكم لهؤلاء نجيبكم به؟ فإن قلتم: نحن نثبت هذه الصفات على وجه لا تكون أعراضا ولا نسميها أعراضا فلا يستلزم تركيبا ولا تجسيما، قيل لكم: ونحن نثبت الصفات التي أثبتها الله لنفسه ونفيتموها أنتم عنه على وجه لا يستلزم الأبعاض والجوارح ولا يسمى المتصف بها مركبا ولا جسما ولا منقسما، فإن قلتم: هذا لا يعقل منها إلا الأجزاء والأبعاض، قلنا لكم: وتلك لا يعقل منها إلا الأعراض، فإن قلتم: العرض لا يبقى زمانين، وصفات الرب تعالى باقية دائما أبدية فليست أعراضا، قلنا: وكذلك الأبعاض هي ما جاز مفارقتها وانفصالها وذلك في حق الرب تعالى محال، فليست أبعاضا ولا جوارح، فمفارقة الصفات الإلهية للموصوف بها مستحيل مطلقا في نوعين، والمخلوق يجوز أن تفارقه أبعاضه وأعراضه فإن قلتم: إن كان الوجه عين اليد وعين الساق والإصبع فهو محال، وإن كان غيره يلزم التميز ويلزم التركيب، قلنا لكم: وإن كان السمع هو عين البصر وهما نفس العلم وهي نفس الحياة والقدرة فهو محال، وإن تميز لزم التركيب، فما هو جوابكم؟ فالجواب مشترك، فإن قلتم: نحن نعقل صفات ليست أعراضا تقوم بغير جسم وإن لم يكن له في الشاهد نظير، ونحن لا ننكر الفرق بين النوعين في الجملة، ولكن فرق غير نافع لكم في التفريق بين النوعين، وإن أحدهما يستلزم التجسيم والتركيب والآخر لا يستلزمه. اهـ.

ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين رقم: 130884، ورقم: 134190.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني