الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواب شبهة حول صفة عرش الرحمن

السؤال

عندي سؤالان :
السؤال الأول : ماحكم من اعتقد أن العرش كروي وليس مقببا كما رجحه ابن تيمية ؟ هل يكون بذلك خالف إجماع الأمة ؟ وهل له مندوحة وسعة في اعتقاد ذلك ؟ وماذا لو توقف في هذه المسألة لصعوبتها وإشكالها عنده؟
السؤال الثاني : قال ابن تيمية في الرسالة العرشية ما يلي : وإذا كان الأمر كذلك فإذا قدر أن العرش مستدير محيط بالمخلوقات كان هو أعلاها وسقفها - وهو فوقها - مطلقا فلا يتوجه إليه وإلى ما فوقه الإنسان إلا من العلو لا من جهاته الباقية أصلا . ومن توجه إلى الفلك التاسع أو الثامن أو غيره من الأفلاك من غير جهة العلو كان جاهلا باتفاق العقلاء فكيف بالتوجه إلى العرش أو إلى ما فوقه، وغاية ما يقدر أن يكون كروي الشكل والله تعالى محيط بالمخلوقات كلها إحاطة تليق بجلاله، فإن السموات السبع والأرض في يده أصغر من الحمصة في يد أحدنا .
وقال في موضع آخر :
وسواء قدر أن العرش هو محيط بالمخلوقات - كإحاطة الكرة بما فيها - أو قيل إنه فوقها وليس محيطا بها كوجه الأرض الذي نحن عليه بالنسبة إلى جوفها، وكالقبة بالنسبة إلى ما تحتها أو غير ذلك . فعلى التقديرين يكون العرش فوق المخلوقات والخالق سبحانه وتعالى فوقه، والعبد في توجهه إلى الله يقصد العلو دون التحت. وتمام هذا ببيان المقام الثالث وهو أن نقول : لا يخلو إما أن يكون العرش كرويا كالأفلاك ويكون محيطا بها وإما أن يكون فوقها وليس هو كرويا، فإن كان الأول ....ثم ذكر كلاماً طويلاً ثم قال : وأما إذا قدر أن العرش ليس كري الشكل بل هو فوق العالم من الجهة التي هي وجه الأرض وأنه فوق الأفلاك الكرية، كما أن وجه الأرض الموضوع للأنام فوق نصف الأرض الكري أو غير ذلك من المقادير التي يقدر فيها أن العرش فوق ما سواه وليس كري الشكل فعلى كل تقدير لا نتوجه إلى الله إلا إلى العلو لا إلى غير ذلك من الجهات .
فقد ظهر أنه - على كل تقدير - لا يجوز أن يكون التوجه إلى الله إلا إلى العلو مع كونه على عرشه مباينا لخلقه، وسواء قدر مع ذلك أنه محيط بالمخلوقات - كما يحيط بها إذا كانت في قبضته - أو قدر مع ذلك أنه فوقها من غير أن يقبضها ويحيط بها. فهو على التقديرين يكون فوقها مباينا لها، فقد تبين أنه على هذا التقدير في الخالق وعلى هذا التقدير في العرش لا يلزم شيء من المحذور والتناقض. وهذا يزيل كل شبهة وإنما تنشأ الشبهة في اعتقادين فاسدين . ( أحدهما أن يظن أن العرش إذا كان كريا والله فوقه وجب أن يكون الله كريا، ثم يعتقد أنه إذا كان كريا فيصح التوجه إلى ما هو كري - كالفلك التاسع - من جميع الجهات. وكل من هذين الاعتقادين خطأ وضلال فإن الله مع كونه فوق العرش ومع القول بأن العرش كري - سواء كان هو التاسع أو غيره - لا يجوز أن يظن أنه مشابه للأفلاك في أشكالها. كما لا يجوز أن يظن أنه مشابه لها في أقدارها ولا في صفاتها - سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا - بل قد تبين أنه أعظم وأكبر من أن تكون المخلوقات عنده بمنزلة داخل الفلك في الفلك . وإنها عنده أصغر من الحمصة والفلفلة ونحو ذلك في يد أحدنا .
فإذا كانت الحمصة أو الفلفلة . بل الدرهم والدينار . أو الكرة التي يلعب بها الصبيان ونحو ذلك في يد الإنسان أو تحته أو نحو ذلك هل يتصور عاقل إذا استشعر علو الإنسان على ذلك وإحاطته به أن يكون الإنسان كالفلك ؟ والله - ولله المثل الأعلى - أعظم من أن يظن ذلك به وإنما يظنه الذين { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } . وكذلك " اعتقادهم الثاني " : وهو أن ما كان فلكا فإنه يصح التوجه إليه من الجهات الست خطأ باتفاق أهل العقل الذين يعلمون الهيئة، وأهل العقل الذين يعلمون أن القصد الجازم يوجب فعل المقصود بحسب الإمكان . فقد تبين أن كل واحد من المقدمتين خطأ في العقل والشرع وأنه لا يجوز أن تتوجه القلوب إليه إلا إلى العلو لا إلى غيره من الجهات على كل تقدير يفرض من التقديرات سواء كان العرش هو الفلك التاسع أو غيره، سواء كان محيطا بالفلك كري الشكل أو كان فوقه من غير أن يكون كريا سواء كان الخالق - سبحانه - محيطا بالمخلوقات كما يحيط بها في قبضته أو كان فوقها من جهة العلو منا التي تلي رءوسنا دون الجهة الأخرى . فعلى أي تقدير فرض كان كل من مقدمتي السؤال باطلة وكان الله تعالى إذا دعوناه إنما ندعوه بقصد العلو دون غيره كما فطرنا على ذلك . وبهذا يظهر الجواب عن السؤال من وجوه متعددة والله أعلم ...انتهى )
السؤال كيف يمكن الجمع بين إثبات بأن العرش مقبب وهو فوقنا من جهة العلو منا التي تلي رءوسنا دون الجهة الأخرى مع قصد الله من جهة العلو مباشرة لمن كان مقابل لنا من الجهة للأخرى للأرض، وخاصة أن هذا الإشكال مستمر مع إثبات دوران الأرض حول نفسها. أرجو التوضيح والتفصيل قدر الإمكان؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق أن أجبنا الأخ السائل على سؤاله السابق برقم: 2344860 .
وأما السؤال الثاني فجوابه يتضح من خلال كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التي نقل منها السائل، في الصفحة السابقة له مباشرة، حيث قال رحمه الله: جهة العلو والسفل للأفلاك لا تتغير، فالمحيط هو العلو والمركز هو السفل، مع أن وجه الأرض التي وضعها الله للأنام، وأرساها بالجبال، هو الذي عليه الناس والبهائم والشجر والنبات، والجبال والأنهار الجارية. فأما الناحية الأخرى من الأرض فالبحر محيط بها، وليس هناك شيء من الآدميين وما يتبعهم، ولو قدر أن هناك أحدا لكان على ظهر الأرض ولم يكن من في هذه الجهة تحت من في هذه الجهة، ولا من في هذه تحت من في هذه، كما أن الأفلاك محيطة بالمركز، وليس أحد جانبي الفلك تحت الآخر، ولا القطب الشمالي تحت الجنوبي، ولا بالعكس، وإن كان الشمالي هو الظاهر لنا فوق الأرض وارتفاعه بحسب بعد الناس عن خط الاستواء، فما كان بعده عن خط الاستواء ثلاثين درجة مثلا كان ارتفاع القطب عنده ثلاثين درجة، وهو الذي يسمى عرض البلد، فكما أن جوانب الأرض المحيطة بها وجوانب الفلك المستديرة ليس بعضها فوق بعض ولا تحته، فكذلك من يكون على الأرض من الحيوان والنبات والأثقال لا يقال: إنه تحت أولئك، وإنما هذا خيال يتخيله الإنسان، وهو تحت إضافي؛ كما لو كانت نملة تمشي تحت سقف فالسقف فوقها، وإن كانت رجلاها تحاذيه. وكذلك من علق منكوسا فإنه تحت السماء، وإن كانت رجلاه تلي السماء، وكذلك يتوهم الإنسان إذا كان في أحد جانبي الأرض، أو الفلك أن الجانب الآخر تحته، وهذا أمر لا يتنازع فيه اثنان، ممن يقول: إن الأفلاك مستديرة. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني