الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرؤية الشرعية لافتراض وقوع القتل من الصحابة

السؤال

هل يجب تنزيه الخلفاء الراشدين، وباقي الصحابة الكرام، عن القتل، أم نظن فيهم ظنا حسنا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يقاتلون في سبيل الله، ويقتلون أعداء الله، كما كانوا يقتلون من وجب عليه القتل بحد أو نحوه.

وأما القتل بغير حق، فليسوا معصومين منه؛ لأنهم ليسوا معصومين من الذنوب، لكن المظنون بهم مع فضلهم وحرصهم على طاعة الله، ألا يقع منهم شيء من ذلك إلا بتأويل. كما وقع بينهم الاقتتال في الجمل وصفين، وهم بين مجتهد مصيب، وآخر مخطئ.

ثم إن فرض أن شيئا من الذنوب كالقتل أو غيره وقع من أحدهم بغير تأويل، فإن لهم من الفضائل والمناقب ما يأتي على مثالبهم، وما ارتكبوه من الذنب، وعلى الرأس من الصحابة -رضي الله عنهم- الخلفاء الأربعة الراشدون، فهم من أهل الجنة قطعا، ولهم سنة متبعة -رضي الله عنهم وأرضاهم- وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في عقيدته الواسطية هذا المعنى.

فقال ما عبارته: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}. وطاعة النبي في قوله: " {لا تسبوا أصحابي. فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه}. ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع: من فضائلهم ومراتبهم.... إلى أن قال: ويمسكون عما شجر بين الصحابة. ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه. والصحيح منه: هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره؛ بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنهم خير القرون" "وإن المد من أحدهم إذا تصدق به، كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم" ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب، فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه. فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور لهم؟

ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر، مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة، والعلم النافع والعمل الصالح.

ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما من الله به عليهم من الفضائل؛ علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى. انتهى.

فاشدد يديك عليه، وعض عليه بالأضراس القاطعة؛ ففيه النجاة والعصمة في هذا الباب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني