الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أولئك الغرباء فعليك بهم

السؤال

لقد اطلعت على محاضرة(غربة الإسلام) وما أراه هو أن هناك غربة أخرى هي غربة الذين ليس لهم من الفقه ما يمكنهم من معرفة أهل الحق من غيرهم؟ وأي الغرباء أتبع؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلم نستمع للمحاضرة المشار إليها، ولقد زالت غربة الإسلام الأولى بظهور الدين وقيام دولة الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغربة الإسلام الثانية، فقال: بدأ الإسلام غريباً ثم يعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس. رواه أحمد.

ولقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى وسائل لدفع غربة الإسلام الثانية، منها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها: الجهاد، وغير ذلك، وانظر تفصيلها في كتاب: وسائل دفع الغربة. لسلمان العودة.

هذا، ولقد بشرنا نبينا بأن الحق لن يزال ظاهراً حتى في زمن غربة الإسلام الثانية على يد طائفة منصورة، فقال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم.

وقال أيضاً: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. رواه مسلم.

ولقد أخبرنا عن صفة هؤلاء الغرباء الذين يظهر الله الدين على أيديهم في أحاديث كثيرة، ومن ذلك قوله: الذين يُصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي.

وفي رواية: الذين يصلحون إذا فسد الناس!!.

وفي رواية: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.

وفي رواية أنهم: الفرارون بدينهم.

وفي رواية أخرى أنهم: النزاع من القبائل. أي: الذين نزعوا عن أهلهم وعشيرتهم، وهم الذين قبلوا الحق من كل قبيلة، فيحيون سنة نبينا ويعملون بها، ويعلمونها الناس، ويظهرونها على قدر طاقتهم، فيصبح الرجل منهم في قومه معتزلاً مهجوراً كالغريب، ولكن الله يعينهم، فإن العاقبة للمتقين، قال سبحانه: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ {الصافات: 171-173}.

وقد قال بعض السلف: لا تستوحش من الحق لقلة الساكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.

وقال بعضهم: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جداً: سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- فهم الغرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين، الذين قال الله عز وجل فيهم: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ {الأنعام: 116}. فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة، وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم، كما قيل: فليس غريباً من تناءت دياره ولكن من تنأين عنه غريب. ولما خرج موسى عليه السلام هارباً من قوم فرعون انتهى إلى مدين على الحال التي ذكر الله، وهو وحيد غريب خائف جائع، فقال: يا رب وحيد مريض غريب، فقيل له: يا موسى، الوحيد من ليس له مثلي أنيس. والمريض: من ليس له مثلي طبيب. والغريب: من ليس بيني وبينه معاملة.

وانظر كتاب: كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة. للحافظ ابن رجب الحنبلي.

وانظر كذلك فصل: غربة الإسلام وغربة أهله في مدارج السالكين لابن القيم 3/ 196 وما بعدها.

ولاشك أن ما أشرت إليه من التباس الأمر على الناس واختلاط المفاهيم عليهم وانمحاء الهوية عندهم وعدم المقدرة على تمييز الصديق من العدو هو من مظاهر غربة الدين.

هذا، وننصحك أن تفتش عن أولئك الغرباء بصفتهم السابقة في مجتمعك وفيمن حولك، فإذا وجدتهم فالزمهم وانتظم في سلكهم، وادع الله كثيراً أن يريك الحق حقاً وأن يرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلاً وأن يرزقك اجتنابه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني