الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شدة الموت ونزع الروح بشدة

السؤال

لقد دار حوار بيني وبين شخص وتعددت وجهات النظر في الموضوع ..فرغبت أن أسأل لعلي أعرف المزيد...وكان السؤال....هل الموت بالحريق أصعب وأكثر إيلاما من الموت بالسكتة القلبية ؟ أم الموت والإحساس به يكون بسبب نسبة إيمان المؤمن أو أنه يكون كافرا فيحس بالموت بطريقة أكثر تعذيبا....لأنني على ما أعتقد أن الله يقبض روح المؤمن ويرسلها بطريقة أسهل وأقل عذابا من الكافر.....وذلك لا يعتمد على طريقة الموت أيا كانت.
ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن المعلوم أن بعض الميتات أصعب وأشد من بعض مثل الحرق والغرق ونحوهما، ولذلك جعل الله لأصحابها أجر الشهداء كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله. وروى النسائي وغيره من حديث جابر بن عتيك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المطعون شهيد والمبطون شهيد والغريق شهيد وصاحب الهدم شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد وصاحب الحرق شهيد والمرأة تموت بجمع شهيدة. قال الإمام النووي: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها. اهـ. وقال الحافظ بن حجر في الفتح: قال ابن التين هذه كلها ميتات فيها شدة، تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم، يبلغهم بها مراتب الشهداء، قلت والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء. اهـ. وعليه فالموت بالحريق أشد من الموت بالسكتة القلبية لأن الشرع جعل الحريق شهيدا وأيضا لأن السكتة موتة فجأة وهي راحة للمؤمن كما ثبت في الحديث الذي رواه أحمد وصححه الحافظ العراقي. أما عند نزع الروح وقت الاحتضار فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة أن روح المؤمن تخرج بسهولة بالغة وهي مطمئنة بخلاف روح الكافر التي تتفرق في الجسد فتنزع بشدة بلا رفق ولا هوادة. قال الله تعالى في حق المؤمنين: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون َ{النحل:32}. وقال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي {الفجر:27ـ30}. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ {فصلت:30}. قال الإمام الطبري: تهبط عليهم الملائكة عند نزول الموت، وروى بسنده عن مجاهد أن معنى الآية: لا تخافوا ما تقدمون عليه من أمر الآخره ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل وولد، فإنا نخلفكم في ذلك كله. اهـ. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق نفس المؤمن: فتخرخ تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء. أما نفس الكافر فقال صلى الله عليه وسلم: .. فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول. وقال تعالى في حق الكافر : وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ {لأنفال:50}. وقال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ {الأنعام: 93}. واعلمي أن التخفيف على المؤمن عند خروج الروح لا ينافي أنه قد يشدد عليه عند الاحتضار أو بطريقة الموت نفسها فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم أجمعين كان يقول عند موته: لا إله إلا الله إن للموت سكرات. رواه البخاري عن عائشة وفي رواية في الصحيح أنها كانت تقول: فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قال في تحفة الأحوذي: .. لما رأيت شدة وفاته علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفى وأن هون الموت وسهولته ليس من المكرمات. اهـ. وقال الحافظ: وفي الحديث أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته وإما تكفير لسيئاته. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني