التغاضي عن إنكار بعض المنكرات خشية النفور وترك ما هو أعظم منها

14-11-2013 | إسلام ويب

السؤال:
أنا ولله الحمد منَّ الله علي بالمراقبة، فأنتبه من كلمة أقولها، وإن كانت تخالف الشرع فأستغفر الله على ذلك، وكان لي صديق قبل الصيف لقيته في الدراسة هذا العام، وكنت على غير الحال الذي أنا عليه الآن، فعندما يأتي ويقول شيئًا خطأ أنبِّهه على ذلك، فأصبحت أكرر هذا مرارًا حتى جاء مرة لي وقال: "طب أنا هتلكم أمته طيب؟!" (فيما معناه) ولاحظت أنه أصبح يتضايق من فعلي ذلك، وأخشى أن أكثر عليه فأصبح حسنة سيئة، وأنفره من التدين بسببي، وبسبب أسلوبي في حين أن إيمانه ليس بالكثرة التي تطيق تحملي، وهو يتحملني لحبه إياي، وأخشى مع الوقت أن ينقص بسبب فعلي.
فهل علي بأس في أن أترك ما يقول من حديث خاطئ وأركز فقط على الكلام الذي يتوجب علي الرد عليه وبشدة مثل الحلف بغير الله، والغيبة والنميمة، وترك الكذب، والنفاق وباقي الخصال السيئة والمخالفة للشرع. أو أنصحه ولكن في نهاية اليوم آتيه وأقول له: لا تكذب ..وإلخ وآخذ بيده إلى الصلاة المكتوبة، وأزجره عليها. وإذا ما التزم بها وتقرب من الدين أنصحه برفق ولين مع الوقت حتى يتخلص من تلك الصفات؟
وما المقصود بالآية :"ياأيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم ..." هل المقصود بها نحن الآن في هذا الزمان كما قال بعض الصحابة: تأويلها يأتي أناس آخر الزمان وليس في زمانهم هم. وما الأمر المأخوذ منها مع التوضيح؟
وما حكم من سب الدين في وقت استرخاء ومجرد أنه اعتاد على السب، فيسب الدين وانتهى، في حين أن الكل يقول من يسب الدين يكون حينها غضبان!! فلا إله إلا الله. هل يعطي هذا مبررًا أن يسب البشر دين رب البشر ؟؟ أو يقولون أنت لا تعرف نيته هل كان غضبان أو لا لتحكم بكفره.
أفيدوني في هذه المسألة؟
وأنا في مدرسة حكومية، ومعلوم أن بها طلابا وأساتذة سيئي الأخلاق، وفصلي يشتم ويلعن، ويسب فيها الدين، وغيبة، وأذية للخلق، وبغي عليهم وتجبر، وجسدي ليس بالقوي لصد كل هذا، ولكن والحمد لله، اللهُ لم يجعلني أهاب أمثال هؤلاء مع ضعف جسدي، فعدم خوفي منهم يعطيني قوة كافية بعد نصر الله تعالى وتأييده لي، وهذا الأمر مع ضعف جسدي، وإني في أمل أن يحدث ويلقي الرعب في قلوبهم كما في قوله تعالى: " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه..." فيكون هذا رادعا لهم بإذن الله في حين أني إذا قمت وصددتهم عن ما يفعلون سيجب علي صد كل ما يفعله طلاب المدرسة من سب، وشتم، وبغي. وأيضا ما الحال إذا كنت لا أخافهم وأرى أن لي استطاعة على صدهم باليد أو نصحتهم فسخروا مني، أو جاءوا لضربي، فيتوجب علي حينها رد الصائل؟ وماذا لو كانوا كثرا هل أدافع عن نفسي ولا أبالي بمن يموت أو يتأذى، ولكن حينها ستقلب الأشياء رأسًا على عقب؛ لأن في فصلي من يعتبر هو زعيم وكبير المدرسة، وحينها سأجد كل المدرسة في صفه إذا تدخل.
فماذا أفعل اتجاه هذا كله بتفصيل ممل وإجابة خاصة؟
وكنت قد أرسلت رسالة تخص مثل هذا الشأن، ولكني وضحت في تلك بعض النقاط مع تصحيح لأقوالي فيها.
وأسألكم بالله أن تُجيبوني على هذه بأسرع وقت ممكن؛ لأني أحتار كل يوم ماذا يتوجب علي فعله؟
وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فنقول ابتداء: قد بينا في خانة إدخال الأسئلة أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال سيتم الإجابة على السؤال الأول منها وإهمال بقية الأسئلة، وبما أن الأخ السائل أدخل عدة أسئلة فإننا سنجيب على السؤال الأول فقط، وهو السؤال المتعلق بإنكار المنكر وهل ينكر على صاحبه كل منكر يسمعه أو يراه منه، أو أنه يغض الطرف عن بعضها لكي لا ينفر رجاء قبول دعوته ؟

فنقول: إن الأصل فيمن حضر منكرا أن يغيره على ما جاء في حديث: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ. وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ. رواه مسلم. فإذا اغتاب صاحبُك، ونَمَّ، وكذبَ، وسَبَّ، وأراد شرب الدخان -مثلا- فالواجب إنكار هذا كله عليه إما باللسان، أو باليد على حسب الإمكان. هذا هو الأصل ولا يُتغاضى عن منكر منها، ولكن إن علمت أنك لو أنكرت عليه كل منكراته ترتب على ذلك أنه سيترك الصلاة أو غيرها من الواجبات، فحينئذ يجوز لك ترك الإنكار عليه دفعا لمفسدة أكبر.

  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ إذَا نُهُوا عَنْ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ تَرَكُوا الْحَسَنَاتِ الرَّاجِحَةَ الْوَاجِبَةَ، لَمْ يُنْهَوْا عَنْهَا؛ لِمَا فِي النَّهْيِ عَنْهَا مِنْ مَفْسَدَةِ تَرْكِ الْحَسَنَاتِ الْوَاجِبَةِ؛ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَيُفْعَلُ حِينَئِذٍ تَمَامُ الْوَاجِبِ ... اهــ.
وقال أيضا: وَمِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي نَهْيِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُنْكَرَاتِ تَرْكًا لِمَعْرُوفِ هُوَ أَعْظَمُ مَنْفَعَةً مِنْ تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، فَيَسْكُتُ عَنْ النَّهْيِ خَوْفًا أَنْ يَسْتَلْزِمَ تَرْكَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ. فَالْعَالِمُ تَارَةً يَأْمُرُ، وَتَارَةً يَنْهَى، وَتَارَةً يُبِيحُ، وَتَارَةً يَسْكُتُ عَنْ الأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ أَوْ الْإِبَاحَةِ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاحِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ، أَوْ النَّهْيِ عَنْ الْفَسَادِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ وَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُرَجَّحُ الرَّاجِحُ - كَمَا تَقَدَّمَ - بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. اهــ.
وانظر الفتوى رقم: 153685عن تأويل قول الله عز وجل: (عليكم أنفسكم) وما ورد عن بعض الصحابة فيها أنها في زمن اختلاف قلوب الناس. وهل هذا هو زمانه.

والله تعالى أعلم.

www.islamweb.net