كون الكرسي موضع قدمي الرب لا ينافي تنزيه الله تعالى عن المكان

16-7-2017 | إسلام ويب

السؤال:
هناك تفسير لكلمة الكرسي أنه موضع قدمي الرب، ومعلوم أن الله عز وجل منزه عن الزمان والمكان وهوالذي خلقهما، فكيف يكون موضعا للقدم؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ثبت عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره. رواه ابن خزيمة في التوحيد، وابن أبي شيبة في العرش، والدارمي في الرد على المريسي، وعبد الله ابن الإمام أحمد في السنة، والدارقطني في الصفات، والبيهقي في الأسماء والصفات، والحاكم في المستدرك، وصححه على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي، وصححه الألباني في مختصر العلو، وأحمد شاكر في عمدة التفسير.

وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: الكرسي موضع القدمين، وله أطيطٌ كأطيطِ الرَّحْل. رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة، وأبو الشيخ في العظمة، وابن أبي شيبة في العرش، والدارقطني في الصفات، وابن جرير في تفسيره، والبيهقي في الأسماء والصفات، وصحح إسناده موقوفاً الألباني في مختصر العلو، وانظر الفتويين رقم: 199337، ورقم: 34465.

فإن صح فهم السائل فإن إشكاله لا يقتصر على الكرسي، بل يأتي مثله أيضا على عرش الرحمن جل وعلا، فإنه هو الآخر من خلق الله تعالى، وقد قال سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى{طه: 5}!.

فإذا كان استواء الرحمن على العرش لا يعنى أنه يفتقر إلى العرش، أو أن العرش يحتويه، أو يحيط به، سبحانه وتعالى وتقدس.. فكذلك الكرسي، وبصفة عامة، فإن تنزيه الله عز وجل عن المكان يطلق ويراد به معان، بعضها صحيح، وبعضها ليس كذلك، فمن الصحيح: نفي إحاطة شيء بالله تعالى، ومن غير الصحيح: نفي علو الله تعالى وفوقيته على جميع خلقه واستوائه على عرشه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستقامة: المكان يراد به: ما يحيط بالشيء، والله لا يحيط به مخلوق، أو يراد به: ما يفتقر إليه الممكن، والله لا يفتقر إلى شيء، وقد يراد بالمكان: ما يكون الشيء فوقه، والله فوق عرشه فوق سماواته، فلا يُسلَّم نفي المكان عنه بهذا التفسير، ونقول: قد وردت الآثار الثابتة بإثبات لفظ المكان، فلا يصح نفيه مطلقا. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: إن أراد بنفي المكان: المكان المحيط بالله عز وجل فهذا النفي صحيح، فإن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء، كيف: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ـ وإن أراد بنفي المكان: نفي أن يكون الله تعالى في العلو، فهذا النفي غير صحيح، بل هو باطل بدلالة الكتاب والسنة، وإجماع السلف والعقل والفطرة، وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال للجارية: أين الله؟ قالت: في السماء، قال لمالكها: أعتقها فإنها مؤمنة ـ وكل من دعا الله عز وجل فإنه لا ينصرف قلبه إلا إلى العلو، هذه هي الفطرة التي فطر الله الخلق عليها. اهـ.
وقال ابن القيم في نونيته:
وكذلك الكرسي قد وسع الطبا ... ق السبع والأرضين بالبرهان
والرب فوق العرش والكرسي لا ... يخفى عليه خواطر الإنسان
لا تحصروه في مكان إذ تقو ... لوا ربنا حقا بكل مكان
نزهتموه بجهلكم عن عرشه ... وحصرتموه في مكان ثان
لا تعدموه بقولكم لا داخل ... فينا ولا هو خارج الأكوان.
ومثل هذا يقال في نفي الجهة عن الله تعالى، وراجع في ذلك للأهمية الفتوى رقم: 169635، وما أحيل عليه فيها.

وقد ذكر الشيخ الألباني في مقدمة اختصاره لكتاب العلو: الشبهات التي يطلقها نفاة صفة العلو واستواء الله تعالى على عرشه، وهي ثلاث شبهات: نسبة المثبتين لها للتشبيه والتجسيم، أو أنهم ينسبون لله تعالى الجهة، والمكان، وأجاب عن هذه الشبهات، ثم قال: إذا أحطت علما بكل ما سبق استطعت ـ بإذن الله تعالى ـ أن تفهم بيسر من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار السلفية التي ساقها المؤلف ـ رحمه الله ـ في هذا الكتاب الذي بين يديك مختصره أن المراد منها إنما هو معنى معروف ثابت لائق به تعالى ألا وهو: علوه سبحانه على خلقه، واستواؤه على عرشه، على ما يليق بعظمته، وأنه مع ذلك ليس في جهة ولا مكان، إذ هو خالق كل شيء، ومنه الجهة والمكان، وهو الغني عن العالمين، وأن من فسرها بالمعنى السلبي فلا محذور منه، إلا إنه مع ذلك لا ينبغي إطلاق لفظ الجهة والمكان ولا إثباتهما، لعدم ورودهما في الكتاب والسنة، فمن نسبهما إلى الله فهو مخطئ لفظأ، إن أراد بهما الإشارة إلى إثبات صفة العلو له تعالى، وإلا فهو مخطئ معنى أيضا إن أراد به حصره تعالى في مكان وجودي، أو تشبيهه تعالى بخلقه، وكذلك لا يجوز نفي معناهما إطلاقا إلا مع بيان المراد منهما، لأنه قد يكون الموافق للكتاب والسنة. اهـ.
ولذلك قال البيهقي بعد إخراج أثر أبي موسى: معناه فيما نرى أنه موضوع من العرش موضع القدمين من السرير، وليس فيه إثبات المكان لله سبحانه. اهـ.
وقال الذهبي في مختصر العلو: قال يحيى بن معين: شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعاً فقال: يا أبا سفيان، هذه الأحاديث مثل حديث الكرسي موضع القدمين، ونحو هذا؟ فقال: كان إسماعيل بن أبي خالد والثوري ومسعر يروون هذه الأحاديث، لا يفسرون منها شيئا، قلت ـ أي الذهبي: رواه المصنف بإسناده عن يحيى، وهو صحيح، والمراد بقوله: لا يفسرون منها شيئا: لا يتأولونها ولا يخرجون معناها عن ظاهرها. اهـ.
والله أعلم.

www.islamweb.net