الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الواقدي : حدثني هشام بن سعد ، سمعت الزهري وسئل عمن أخذ سعيد بن المسيب علمه؟ فقال : عن زيد بن ثابت . وجالس سعدا ، وابن عباس ، وابن عمر ، ودخل على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- : عائشة وأم سلمة ، وسمع [ ص: 224 ] من عثمان ، وعلي ، وصهيب ، ومحمد بن مسلمة . وجل روايته المسندة عن أبي هريرة ، كان زوج ابنته ، وسمع من أصحاب عمر ، وعثمان ، وكان يقال : ليس أحد أعلم بكل ما قضى به عمر وعثمان منه .

                                                                                      وعن قدامة بن موسى ، قال : كان ابن المسيب يفتي والصحابة أحياء .

                                                                                      وعن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : كان المقدم في الفتوى في دهره سعيد بن المسيب ، ويقال له : فقيه الفقهاء .

                                                                                      الواقدي : حدثنا ثور بن يزيد ، عن مكحول ، قال : سعيد بن المسيب عالم العلماء .

                                                                                      وعن علي بن الحسين ، قال : ابن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار ، وأفقههم في رأيه .

                                                                                      جعفر بن برقان : أخبرني ميمون بن مهران ، قال : أتيت المدينة فسألت عن أفقه أهلها ، فدفعت إلى سعيد بن المسيب .

                                                                                      قلت : هذا يقوله ميمون مع لقيه لأبي هريرة وابن عباس .

                                                                                      عمر بن الوليد الشني : عن شهاب بن عباد العصري : حججت فأتينا المدينة ، فسألنا عن أعلم أهلها فقالوا : سعيد .

                                                                                      قلت : عمر ليس بالقوي . قاله النسائي .

                                                                                      معن بن عيسى ، عن مالك ، قال : كان عمر بن عبد العزيز لا يقضي [ ص: 225 ] بقضية -يعني وهو أمير المدينة - حتى يسأل سعيد بن المسيب ، فأرسل إليه إنسانا يسأله ، فدعاه ، فجاء فقال عمر له : أخطأ الرسول ; إنما أرسلناه يسألك في مجلسك . وكان عمر يقول : ما كان بالمدينة عالم إلا يأتيني بعلمه ، وكنت أوتى بما عند سعيد بن المسيب .

                                                                                      سلام بن مسكين : حدثني عمران بن عبد الله الخزاعي ، قال : سألني سعيد بن المسيب فانتسبت له ، فقال : لقد جلس أبوك إلي في خلافة معاوية وسألني . قال سلام : يقول عمران : والله ما أراه مر على أذنه شيء قط إلا وعاه قلبه -يعني ابن المسيب - وإني أرى أن نفس سعيد كانت أهون عليه في ذات الله من نفس ذباب .

                                                                                      جعفر بن برقان : حدثنا ميمون بن مهران ، بلغني أن سعيد بن المسيب بقي أربعين سنة لم يأت المسجد فيجد أهله قد استقبلوه خارجين من الصلاة .

                                                                                      عفان : حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا علي بن زيد ، قلت لسعيد بن المسيب : يزعم قومك أن ما منعك من الحج إلا أنك جعلت لله عليك إذا رأيت الكعبة أن تدعو على ابن مروان . قال : ما فعلت ، وما أصلي صلاة إلا دعوت الله عليهم ، وإني قد حججت واعتمرت بضعا وعشرين مرة ; وإنما كتبت علي حجة واحدة وعمرة ، وإني أرى ناسا من قومك يستدينون ويحجون ويعتمرون ثم يموتون ، ولا يقضى عنهم ، ولجمعة أحب إلي من حجة أو عمرة تطوعا . فأخبرت بذلك الحسن ، فقال : ما قال شيئا ، لو كان كما قال ما حج أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا اعتمروا .

                                                                                      [ ص: 226 ] فصل في عزة نفسه وصدعه بالحق

                                                                                      سلام بن مسكين : حدثنا عمران بن عبد الله ، قال : كان لسعيد بن المسيب في بيت المال بضعة وثلاثون ألفا ، عطاؤه ، وكان يدعى إليها فيأبى ويقول : لا حاجة لي فيها حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان .

                                                                                      حماد بن سلمة : أنبأنا علي بن زيد أنه قيل لسعيد بن المسيب : ما شأن الحجاج لا يبعث إليك ، ولا يحركك ، ولا يؤذيك؟ قال : والله ما أدري ، إلا أنه دخل ذات يوم مع أبيه المسجد ، فصلى صلاة لا يتم ركوعها ولا سجودها ، فأخذت كفا من حصى فحصبته بها . زعم أن الحجاج قال : ما زلت بعد أحسن الصلاة .

                                                                                      في " الطبقات " لابن سعد أنبأنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، حدثنا ميمون ، وأنبأنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أبو المليح ، عن ميمون بن مهران ، قال : قدم عبد الملك بن مروان المدينة فامتنعت منه القائلة ، واستيقظ ، فقال لحاجبه : انظر ، هل في المسجد أحد من حداثنا؟ فخرج فإذا سعيد بن المسيب في حلقته ، فقام حيث ينظر إليه ، ثم غمزه وأشار بأصبعه ، ثم ولى ، فلم يتحرك سعيد ، فقال : لا أراه فطن ، فجاء ودنا منه ، ثم غمزه وقال : ألم ترني أشير إليك؟ قال : وما حاجتك؟ قال : أجب أمير المؤمنين . فقال : إلي أرسلك؟ قال : لا ، ولكن قال : انظر بعض حداثنا فلم أر أحدا أهيأ منك . قال : اذهب فأعلمه أني لست من حداثه . فخرج الحاجب وهو يقول : ما أرى هذا الشيخ إلا مجنونا ، وذهب فأخبر عبد الملك ، فقال : ذاك سعيد بن المسيب فدعه .

                                                                                      [ ص: 227 ] سليمان بن حرب : وعمرو بن عاصم ، حدثنا سلام بن مسكين ، عن عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي ، قال : حج عبد الملك بن مروان ، فلما قدم المدينة ووقف على باب المسجد أرسل إلى سعيد بن المسيب رجلا يدعوه ولا يحركه ، فأتاه الرسول وقال : أجب أمير المؤمنين ، واقف بالباب يريد أن يكلمك . فقال : ما لأمير المؤمنين إلي حاجة ، وما لي إليه حاجة ، وإن حاجته لي لغير مقضية ، فرجع الرسول ، فأخبره فقال : ارجع فقل له : إنما أريد أن أكلمك ، ولا تحركه . فرجع إليه ، فقال له : أجب أمير المؤمنين . فرد عليه مثل ما قال أولا . فقال : لولا أنه تقدم إلي فيك ما ذهبت إليه إلا برأسك ، يرسل إليك أمير المؤمنين يكلمك تقول مثل هذا ! فقال : إن كان يريد أن يصنع بي خيرا ، فهو لك ، وإن كان يريد غير ذلك فلا أحل حبوتي حتى يقضي ما هو قاض ، فأتاه فأخبره ، فقال : رحم الله أبا محمد ; أبى إلا صلابة .

                                                                                      زاد عمرو بن عاصم في حديثه بهذا الإسناد : فلما استخلف الوليد ، قدم المدينة ، فدخل المسجد ، فرأى شيخا قد اجتمع عليه الناس ، فقال : من هذا؟ قالوا : سعيد بن المسيب ، فلما جلس أرسل إليه ، فأتاه الرسول فقال : أجب أمير المؤمنين ، فقال : لعلك أخطأت باسمي ، أو لعله أرسلك إلى غيري ، فرد الرسول ، فأخبره ، فغضب وهم به ، قال : وفي الناس يومئذ تقية ، فأقبلوا عليه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، فقيه المدينة ، وشيخ قريش ، وصديق أبيك ، لم يطمع ملك قبلك أن يأتيه . فما زالوا به حتى أضرب عنه .

                                                                                      عمران بن عبد الله -من أصحاب سعيد بن المسيب - : ما علمت فيه [ ص: 228 ] لينا . قلت : كان عند سعيد بن المسيب أمر عظيم من بني أمية وسوء سيرتهم ، وكان لا يقبل عطاءهم .

                                                                                      قال معن بن عيسى : حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، قلت لسعيد بن المسيب : لو تبديت ، وذكرت له البادية وعيشها والغنم ، فقال : كيف بشهود العتمة .

                                                                                      ابن سعد : أنبأنا الوليد بن عطاء بن الأغر المكي ، أنبأنا عبد الحميد بن سليمان ، عن أبي حازم سمعت سعيد بن المسيب ، يقول : لقد رأيتني ليالي الحرة وما في المسجد أحد غيري ، وإن أهل الشام ليدخلون زمرا يقولون : انظروا إلى هذا المجنون . وما يأتي وقت صلاة إلا سمعت أذانا في القبر ، ثم تقدمت فأقمت وصليت وما في المسجد أحد غيري .

                                                                                      عبد الحميد هذا ضعيف .

                                                                                      الواقدي : حدثنا طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب ، عن أبيه ، قال : كان سعيد أيام الحرة في المسجد لم يخرج ، وكان يصلي معهم [ ص: 229 ] الجمعة ويخرج في الليل . قال : فكنت إذا حانت الصلاة ، أسمع أذانا يخرج من قبل القبر حتى أمن الناس .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية