الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            مسألة : في حديث البيهقي : " من فطر صائما كان له أجر من عمله " ما معناه ؟

            الجواب : كان خطر لي احتمالان : الأول أن معناه : فله أجر من عمل الصوم ، على حد قوله في الحديث الآخر : " من فطر صائما فله مثل أجره " فالضمير في "عمله" راجع إلى الصوم المفهوم من صائم . الثاني أن يكون هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم أول ما شرع هذا الحكم ، فأخبر الصحابة الذين بحضرته أن من عمل هذه الحسنة منهم فله أجر من عمل بها بعدهم إلى يوم القيامة ، على حد قوله في الحديث الآخر : " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص من أجورهم شيء " ثم راجعت طرق الحديث فوجدتها تؤيد الاحتمال الأول ; فإن الحديث أخرجه البيهقي من طريق عبد الحق بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن زيد بن خالد الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فطر صائما كان له أجر من عمله ، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا ، ومن جهز غازيا أو خلفه في أهله كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئا " وأخرجه أيضا من طريق معقل بن عبيد الله ، عن عطاء ، عن زيد بن خالد مرفوعا : " من فطر صائما كان له مثل أجره لا ينقص من أجره شيئا ، ومن جهز غازيا في سبيل الله كان له مثل أجره لا ينقص من أجره شيئا " . وأخرجه الدارقطني من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء عن زيد بن خالد [ ص: 419 ] مرفوعا : " من جهز غازيا أو خلفه في أهله ، أو فطر صائما ، فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئا " . وأخرجه أيضا من طريق ابن جريج ، عن عطاء ، عن زيد بن خالد مرفوعا : " من فطر صائما أو جهز غازيا فله مثل أجره " دلت هذه الطرق على أن مراد الحديث : فله مثل أجر من عمل الصوم ، لا مثل أجر من عمل تفطير الصائم ، وإن اللفظ الأول يجوز أن يكون من تغيير الرواة ، ويجوز أن يكون "من" فيه بمعنى " ما" ، والأصل : كان له أجر ما عمله وهو الصوم ، فالضمير في "عمله" راجع إلى "من" بمعنى "ما" من غير احتياج إلى التأويل السابق .

            فإن قلت : فهل يجوز أن يقرأ : كان له أجر ، بالتنوين ، و : من عمله ، بالجر . قلت : لا ، لأمرين : أحدهما أن "من" إن قدرت تبعيضية والضمير راجع إلى الصائم كان منافيا لقوله في الرواية الأخرى : كان له مثل أجره ; فإنها تقتضي المثلية ، وتلك على التأويل المذكور تقتضي البعضية ، وإن قدرت تبعيضية والضمير للتفطير ، ففاسد كما لا يخفى . الثاني أنها إن قدرت سببية والضمير للصائم ، ففاسد كما لا يخفى ; لأن الإنسان لا يؤجر بسبب عمل غيره ، إنما يؤجر بسبب عمل نفسه ، أو للمفطر ، لم يصح اعتلاق ما بعده به ، وهو قوله : من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية