الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 260 ] فصل : الفساد في المنطق : في البرهان وفي الحد .

                أما " البرهان " فصورته صورة صحيحة وإذا كانت مواده صحيحة فلا ريب أنه يفيد علما صحيحا لكن الخطأ من وجهين : ( أحدهما ) : أن حصر مواده فيما ذكروه من الأجناس المذكورة لا دليل عليه ألبتة فأصابوا فيما أثبتوه دون ما نفوه فمن أين يحكم بأنه لا يقين إلا من هذه الجهات المعينة فإن رجع فيه الإنسان إلى ما يجده من نفسه فمن أين له أن سائر النوع حتى الأنبياء والأولياء لا يحصل لهم يقين بغير ذلك ثم الواقع خلاف ذلك .

                ( الثاني ) أن هذا البرهان يفيد العلم لكن من أين علم أنه لا يحصل لقلب بشر علم إلا بهذا البرهان الموصوف بل قد رأينا علوما كثيرة هي لقوم ضرورية أو حسية ولآخرين نظرية قياسية فلهذا كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وهو ما حصل من العلوم بغير هذه المواد المحصورة أو بغير قياس أصلا بل زعم أفضل المتأخرين منهم أن علوم الأنبياء والأولياء لا تحصل إلا [ ص: 261 ] بواسطة القياس وكلامهم يقتضي أن علم الرب كذلك ولا دليل له على ذلك أصلا سوى محض قياس الأنبياء والأولياء على نفسه وقياس الرب والملائكة على البشر .

                فهذا موضع ينبغي للمؤمن أن يتيقنه ويعلم أن هؤلاء القوم وغيرهم إنما ضلوا غالبا من جهة ما نفوه وكذبوا به لا من جهة ما أثبتوه وعلموه ولهذا كان المنطق مظنة الزندقة لمن لم يقو الإيمان في قلبه حيث اعتقد أنه لا علم إلا بهذه المواد المعينة وهذه الصورة وذلك مفقود عنده في غالب ما أخبرت به الأنبياء فيشك في ذلك أو يكذب به أو يعرض عن اعتقاده والتصديق به فيكون عدم إيمانه وعلمه من اعتقاده الفاسد أنه لا علم إلا من هذه المواد المعينة ولا دليل عليه ألبتة وإن كانت مفيدة للعلم فالفرق ظاهر بين كونها تفيده وبين كونها تفيده ولا يحصل بغيرها .

                ومما يبين ذلك أن القياس لا يدل إلا على علم كلي وهم معترفون بذلك ; لأنه لا بد فيه من مقدمة كلية إيجابية والكلي لا يدل إلا على القدر المشترك وهو الكلي . فجميع الحقائق المعينة لا يدل عليها القياس بأعيانها وإنما يعلم به - إن علم - صفة مشتركة بينها وبين غيرها فلا يعلم به شيء من خواص الربوبية ألبتة ولا شيء من خواص ملك من الملائكة ولا نبي من الأنبياء ولا ولي من الأولياء بل ولا ملك من الملوك ولا أحد من الموجودات العلوية ولا السفلية ; فإذا العلم بهذه الأشياء إما أن يكون منتفيا أو حاصلا [ ص: 262 ] بغير القياس وكلا القسمين واقع فإنه منتف عندهم إذ لا طريق لهم غير القياس وحاصل ذلك عند الأنبياء وأتباعهم بل حاصل ذلك في الجملة عند جميع أولي العلم من الملائكة والنبيين وسائر الآدميين .

                و " أيضا " فإذا كان لا بد فيه من مقدمة كلية فإن كانت نظرية افتقرت إلى أخرى وإن كانت بديهية فإذا جاز أن يحصل العلم بجميع أفرادها بديهة فما المانع أن يحصل ببعض الأفراد وهو أسهل .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية