الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              بيان كيفية اندراج الشعب الكثيرة من أصول الفقه تحت هذه الأقطاب الأربعة

              لعلك تقول أصول الفقه تشتمل على أبواب كثيرة وفصول منتشرة فكيف يندرج جملتها تحت هذه الأقطاب الأربعة ؟ فنقول : القطب الأول : هو الحكم .

              وللحكم حقيقة في نفسه وانقسام ، وله تعلق بالحاكم وهو الشارع والمحكوم عليه وهو المكلف وبالمحكوم فيه وهو فعل المكلف وبالمظهر له وهو السبب والعلة ، ففي البحث عن حقيقة الحكم في نفسه يتبين أنه عبارة عن خطاب الشرع وليس وصفا للفعل ولا حسن ولا قبح ولا مدخل للعقل فيه ولا حكم قبل ورود الشرع ، وفي البحث عن أقسام الحكم يتبين حد الواجب والمحظور والمندوب والمباح والمكروه والقضاء والأداء والصحة والفساد والعزيمة والرخصة وغير ذلك من أقسام الأحكام . وفي البحث عن الحاكم يتبين أن لا حكم إلا لله وأنه لا حكم للرسول ولا للسيد على العبد ولا لمخلوق على مخلوق ، بل كل ذلك حكم الله تعالى ووضعه لا حكم لغيره . وفي البحث عن المحكوم عليه يتبين خطاب الناسي والمكره والصبي ، وخطاب الكافر بفروع الشرع ، وخطاب السكران ومن يجوز تكليفه ومن لا يجوز . وفي البحث عن المحكوم فيه يتبين أن الخطاب يتعلق بالأفعال لا بالأعيان وأنه ليس وصفا للأفعال في ذواتها . وفي البحث عن مظهر الحكم يتبين حقيقة السبب والعلة والشرط والمحل والعلامة ، فيتناول هذا القطب جملة من تفاريق فصول الأصول أوردها الأصوليون مبددة في مواضع شتى لا تتناسب ولا تجمعها رابطة ، فلا يهتدي الطالب إلى مقاصدها ووجه الحاجة إلى معرفتها وكيفية تعلقها بأصول الفقه . القطب الثاني : في المثمر ، وهو الكتاب والسنة والإجماع . وفي البحث عن أصل الكتاب يتبين حد الكتاب وما هو منه وما ليس منه ، وطريق إثبات الكتاب وإنه التواتر فقط وبيان ما يجوز أن يشتمل عليه الكتاب من حقيقة ومجاز وعربية وعجمية . وفي البحث عن السنة يتبين حكم الأقوال والأفعال من الرسول وطرق ثبوتها من تواتر وآحاد وطرق روايتها من مسند ومرسل وصفات رواتها من عدالة وتكذيب ، إلى تمام كتاب الأخبار . ويتصل بالكتاب والسنة كتاب النسخ فإنه لا يرد إلا عليهما ، وأما الإجماع فلا يتطرق النسخ إليه . وفي البحث عن أصل الإجماع تتبين حقيقته ودليله وأقسامه وإجماع الصحابة وإجماع من بعدهم إلى جميع مسائل الإجماع القطب الثالث : في طرق الاستثمار .

              وهي أربعة الأولى : دلالة اللفظ من حيث صيغته ، وبه يتعلق النظر في صيغة الأمر والنهي والعموم والخصوص والظاهر والمؤول والنص . والنظر في كتاب الأوامر والنواهي والعموم والخصوص نظر في مقتضى الصيغ اللغوية وأما الدلالة من حيث الفحوى والمفهوم فيشتمل عليه كتاب المفهوم ودليل [ ص: 9 ] الخطاب ، وأما الدلالة من حيث ضرورة اللفظ واقتضاؤه فيتضمن جملة من إشارات الألفاظ كقول القائل : أعتق عبدك عني ، فتقول : أعتقت ، فإنه يتضمن حصول الملك للملتمس ولم يتلفظا به لكنه من ضرورة ملفوظهما ومقتضاه . وأما الدلالة من حيث معقول اللفظ فهو كقوله صلى الله عليه وسلم : { لا يقضي القاضي وهو غضبان } فإنه يدل على الجائع والمريض والحاقن بمعقول معناه ، ومنه ينشأ القياس وينجر إلى بيان جميع أحكام القياس وأقسامه . القطب الرابع : في المستثمر ، وهو المجتهد وفي مقابلته المقلد ، وفيه يتبين صفات المجتهد وصفات المقلد والموضع الذي يجري فيه الاجتهاد دون الذي لا مجال للاجتهاد فيه والقول في تصويب المجتهدين وجملة أحكام الاجتهاد . فهذه جملة ما ذكر في علم الأصول وقد عرفت كيفية انشعابها من هذه الأقطاب الأربعة

              التالي السابق


              الخدمات العلمية