الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فائدة

أما الآية فلها في اللغة ثلاثة معان :

أحدها : جماعة الحروف ; قال أبو عمرو الشيباني : تقول العرب : خرج القوم بآيتهم ، أي : بجماعتهم .

ثانيها : الآية : العجب ; تقول العرب : فلان آية في العلم وفي الجمال ، قال الشاعر :

آية في الجمال ليس له في الـ حسن شبه وما له من نظير

فكأن كل آية عجب في نظمها والمعاني المودعة فيها .

ثالثها : العلامة ; تقول العرب : خربت دار فلان وما بقي فيها آية ، أي : علامة ، فكأن كل آية في القرآن علامة ودلالة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .

واختلف في وزنها ; فقال سيبويه : " فعلة " بفتح العين ، وأصلها " أيية " تحركت الياء [ ص: 364 ] وانفتح ما قبلها فجاءت آية . وقال الكسائي : أصلها " آيية " على وزن " فاعلة " حذفت الياء الأولى مخافة أن يلتزم فيها من الإدغام ما لزم في دابة .

وأما في الاصطلاح فقال الجعبري في كتاب " المفرد في معرفة العدد " : " حد الآية قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ، ذو مبدأ ومقطع مندرج في سورة ، وأصلها العلامة ، ومنه : إن آية ملكه ( البقرة : 248 ) ; لأنها علامة للفضل والصدق ، أو الجماعة ; لأنها جماعة كلمة .

وقال غيره : الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها ، ليس بينها شبه بما سواها .

وقيل : هي الواحدة من المعدودات في السور ; سميت به لأنها علامة على صدق من أتى بها ، وعلى عجز المتحدى بها .

وقيل : لأنها علامة انقطاع ما قبلها من الكلام وانقطاعها عما بعدها . قال الواحدي : " وبعض أصحابنا يجوز على هذا القول تسمية أقل من الآية آية ; لولا أن التوقيف ورد بما هي عليه الآن .

وقال ابن المنير في " البحر " : ليس في القرآن كلمة واحدة آية إلا مدهامتان ( الرحمن : 64 ) .

وقال بعضهم : الصحيح أنها إنما تعلم بتوقيف من الشارع ، لا مجال للقياس فيه كمعرفة السورة ، فالآية طائفة حروف من القرآن ، علم بالتوقيف انقطاعها معنى عن الكلام الذي بعدها في أول القرآن ، وعن الكلام الذي قبلها في آخر القرآن ، وعن الكلام الذي قبلها [ ص: 365 ] والكلام الذي بعدها في غيرهما ، غير مشتمل على مثل ذلك . قال : وبهذا القيد خرجت السورة .

وقال الزمخشري : " الآيات علم توقيف لا مجال للقياس فيه ، فعدوا : الم آية حيث وقعت من السورة المفتتح بها ، وهي ست ( البقرة ، وآل عمران ، والعنكبوت ، والروم ، ولقمان ، والسجدة ) ، وكذلك : ( المص ) آية ( الأعراف ) ، و ( المر ) ( الرعد ) ، لم تعد آية ، و ( الر ) ( يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، والحجر ) ، ليست بآية في سورها الخمس ، و ( طسم ) آية في سورتيها ( الشعراء والقصص ) و ( طه ) و ( يس ) آيتان ، و ( طس ) ( النمل ) ليست بآية ، و ( حم ) آية في سورها كلها ، و ( حم عسق ) ( الشورى ) آيتان ، و ( كهيعص ) ( مريم ) آية واحدة ، و ( ص ) و ( ق ) و ( ن ) ثلاثتها لم تعد آية ; هذا مذهب الكوفيين ، ومن عداهم لم يعدوا شيئا منها آية .

وقال بعضهم : إنما عدوا ( يس ) آية ، ولم يعدوا ( طس ) ; لأن ( طس ) تشبه المفرد ، كقابيل في الزنة والحروف ، و ( يس ) تشبه الجملة من جهة أن أوله ياء ، وليس لنا مفرد أوله ياء .

وقال القاضي أبو بكر بن العربي : ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الفاتحة سبع آيات ، وسورة الملك ثلاثون آية ، وصح أنه قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة " آل عمران " . قال : وتعديد الآي من مفصلات القرآن ; ومن آياته طويل وقصير ، ومنه ما ينقطع ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام ، ومنه ما يكون في أثنائه ; كقوله : أنعمت عليهم ( الفاتحة : 7 ) على مذهب أهل المدينة ; فإنهم يعدونها آية ، وينبغي أن يعول في ذلك على فعل السلف .

وأما الكلمة فهي اللفظة الواحدة ، وقد تكون على حرفين ، مثل : " ما " و " لي " و " له " و " لك " ، وقد تكون أكثر ، وأكثر ما تكون عشرة أحرف مثل : ليستخلفنهم ( النور : 55 ) ، و أنلزمكموها ( هود : 28 ) ، و فأسقيناكموه ( الحجر : 22 ) ، وقد تكون [ ص: 366 ] الكلمة آية مثل : والفجر ، والضحى ، والعصر ، وكذلك الم ، و طه ، و يس ، و حم في قول الكوفيين ، و حم عسق عندهم كلمتان ، وغيرهم لا يسمي هذه آيات ; بل يقول : هذه فواتح لسور .

وقال أبو عمرو الداني : لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله : مدهامتان في سورة الرحمن ( الآية : 64 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية