الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      حجاج بن أرطاة ( 4 ، م )

                                                                                      ابن ثور بن هبيرة بن شراحيل بن كعب ، الإمام العلامة ، مفتي الكوفة مع الإمام أبي حنيفة ، والقاضي ابن أبي ليلى ، أبو أرطاة النخعي الكوفي الفقيه ، أحد الأعلام .

                                                                                      ولد في حياة أنس بن مالك ، وغيره من صغار الصحابة . [ ص: 69 ]

                                                                                      وروى عن : عكرمة ، وعطاء ، والحكم ، ونافع ، ومكحول ، وجبلة بن سحيم ، والزهري ، وقتادة ، والقاسم بن أبي بزة ، وعمرو بن شعيب ، وابن المنكدر ، وزيد بن جبير الطائي ، وعطية العوفي ، والمنهال بن عمرو ، وأبي مطر ، ورياح بن عبيدة ، وأبي إسحاق ، وسماك ، وعون بن أبي جحيفة ، وخلق سواهم .

                                                                                      وكان من بحور العلم ، تكلم فيه لبأو فيه ، ولتدليسه ، ولنقص قليل في حفظه ، ولم يترك .

                                                                                      حدث عنه : منصور بن المعتمر - وهو من شيوخه - وقيس بن سعد ، وابن إسحاق ، وشعبة - وهم من أقرانه - والحمادان ، والثوري ، وشريك ، وزياد البكائي ، وعباد بن العوام ، والمحاربي ، وهشيم ، ومعتمر ، وغندر ، ويزيد بن هارون ، وعبد الله بن نمير ، وخلق كثير .

                                                                                      قال سفيان بن عيينة : سمعت ابن أبي نجيح يقول : ما جاءنا منكم مثله - يعني حجاج بن أرطاة - وقال حفص بن غياث : قال لنا سفيان الثوري يوما : من تأتون ؟ قلنا : الحجاج بن أرطاة . قال : عليكم به ، فإنه ما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه .

                                                                                      وقال حماد بن زيد : حجاج بن أرطاة أقهر عندنا بحديثه من سفيان .

                                                                                      وقال ابن حميد الرازي ، عن جرير : رأيت الحجاج يخضب بالسواد .

                                                                                      وقال أحمد العجلي : كان فقيها ، أحد مفتي الكوفة ، وكان فيه تيه ، فكان يقول : أهلكني حب الشرف .

                                                                                      ولي قضاء البصرة ، وكان جائز الحديث ، إلا أنه صاحب إرسال ، كان يرسل عن يحيى بن أبي كثير ، ولم يسمع منه شيئا ، ويرسل عن مكحول ، ولم [ ص: 70 ] يسمع منه ، وإنما يعيبون منه التدليس . روى نحوا من ست مائة حديث . قال : ويقال : إن سفيان أتاه يوما ليسمع منه ، فلما قام من عنده ، قال حجاج : يرى بني ثور أنا نحفل به ؟ ! لا نبالي جاءنا أو لم يجئنا .

                                                                                      وكان حجاج تياها ، وكان قد ولي الشرطة . ويقال عن حماد بن زيد ،

                                                                                      قال : قدم علينا حماد بن أبي سليمان ، وحجاج بن أرطاة ، فكان الزحام على حجاج أكثر ، وكان حجاج راوية عن عطاء ، سمع منه . وروى أبو طالب ، عن أحمد بن حنبل : كان من الحفاظ ، قيل : فلم ليس هو عند الناس بذاك ؟ قال : لأن في حديثه زيادة على حديث الناس ، ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة .

                                                                                      وقال ابن أبي خيثمة ، عن يحيى بن معين ، قال : هو صدوق ، ليس بالقوي ، يدلس عن محمد بن عبيد الله العرزمي ، عن عمرو بن شعيب - يعني فيسقط العرزمي .

                                                                                      وروى ابن المديني ، عن يحيى بن سعيد ، قال : الحجاج بن أرطاة ، وابن إسحاق عندي سواء ، تركت الحجاج عمدا ، ولم أكتب عنه حديثا قط .

                                                                                      وقال أبو زرعة : صدوق مدلس . وقال أبو حاتم : صدوق يدلس عن الضعفاء ، يكتب حديثه ، فإذا قال : حدثنا ، فهو صالح ، لا يرتاب في صدقه وحفظه ، ولا يحتج بحديثه ، لم يسمع من الزهري ، ولا من هشام بن عروة ولا من عكرمة .

                                                                                      قال هشيم : قال لي حجاج بن أرطاة : صف لي الزهري ، فإني لم أره .

                                                                                      وقال ابن المبارك : كان الحجاج يدلس ، فكان يحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يحدثه العرزمي ، والعرزمي متروك . [ ص: 71 ]

                                                                                      وقال حماد بن زيد : حدثنا جرير بن حازم ، حدثنا قيس بن سعد ، عن الحجاج بن أرطاة ، فلبثنا ما شاء الله ، ثم قدم علينا الحجاج ابن ثلاثين ، أو إحدى وثلاثين سنة ، فرأيت عليه من الزحام ما لم أر على حماد بن أبي سليمان ، ورأيت عنده مطرا الوراق ، وداود بن أبي هند ، ويونس بن عبيد جثاة على أرجلهم ، يقولون : يا أبا أرطاة ما تقول في كذا ؟ يا أبا أرطاة ما تقول في كذا ؟ .

                                                                                      قال هشيم بن بشير : سمعت الحجاج يقول : استفتيت وأنا ابن ست عشرة سنة .

                                                                                      وقال حفص بن غياث : سمعت حجاجا يقول : ما خاصمت أحدا قط ، ولا جلست إلى قوم يختصمون . وروى عباس عن يحيى بن معين قال : سمع من مكحول ، وفي بعض حديثه يقول : سمعت مكحولا .

                                                                                      وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال عبد الرحمن بن خراش : كان حافظا للحديث ، وكان مدلسا .

                                                                                      وقال ابن عدي : إنما عاب الناس عليه تدليسه عن الزهري وغيره ، وربما أخطأ في بعض الروايات ، فأما أن يتعمد الكذب فلا ، وهو ممن يكتب حديثه .

                                                                                      وقال يعقوب بن شيبة : واهي الحديث ، في حديثه اضطراب كثير ، وهو صدوق ، وكان أحد الفقهاء .

                                                                                      قال أبو بكر الخطيب : الحجاج أحد العلماء بالحديث ، والحفاظ له .

                                                                                      وقال خليفة بن خياط : مات بالري .

                                                                                      قلت : وقد روى عن الشعبي حديثا واحدا . [ ص: 72 ]

                                                                                      قال يحيى بن يعلى المحاربي : أمرنا زائدة أن نترك حديث الحجاج بن أرطاة .

                                                                                      وقال أحمد بن حنبل : سمعت يحيى بن سعيد يذكر أن حجاج بن أرطاة لم ير الزهري ، وكان سيئ الرأي فيه جدا ، ما رأيته أسوأ رأيا في أحد منه ، في حجاج وابن إسحاق ، وليث ، وهمام ، لا نستطيع أن نراجعه فيهم .

                                                                                      وقال أبو الحسن الدارقطني وغيره : لا يحتج بحجاج .

                                                                                      قلت : قد يترخص الترمذي ، ويصحح لابن أرطاة ، وليس بجيد .

                                                                                      قال معمر بن سليمان : تسألونا عن حديث حجاج بن أرطاة ، وعبد الله بن بشر الرقي عندنا أفضل منه !

                                                                                      قال عثمان بن سعيد ، عن ابن معين : حجاج في قتادة صالح . وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : قال حجاح بن أرطاة : لا تتم مروءة الرجل حتى يترك الصلاة في الجماعة .

                                                                                      قلت : لعن الله هذه المروءة ، ما هي إلا الحمق والكبر ، كيلا يزاحمه السوقة ! وكذلك تجد رؤساء وعلماء يصلون في جماعة في غير صف ، أو تبسط له سجادة كبيرة حتى لا يلتصق به مسلم . فإنا لله ! .

                                                                                      قال الأصمعي : أول من ارتشى بالبصرة من القضاة : حجاج بن أرطاة . [ ص: 73 ]

                                                                                      وقال يوسف بن واقد : رأيت حجاج بن أرطاة عليه سواد ، وهو مخضوب بالسواد .

                                                                                      وقال عبد الله بن إدريس : كنت أرى الحجاج بن أرطاة يفلي ثيابه ، ثم خرج إلى المهدي ، ثم قدم معه أربعون راحلة ، عليها أحمالها .

                                                                                      قال حفص بن غياث : سمعت حجاج بن أرطاة يقول : ما خاصمت أحدا ولا جادلته .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : كان حجاج يدلس ، فإذا قيل له : من حدثك ؟ يقول : لا تقولوا هذا ، قولوا : من ذكرت ؟ . وروى عن الزهري ولم يره .

                                                                                      قال شعبة : اكتبوا عن حجاج وابن إسحاق ، فإنهما حافظان . عمرو بن علي المقدمي ، عن حجاج ، عن مكحول ، عن ابن محيريز : سألت فضالة بن عبيد : أرأيت تعليق اليد في العنق من السنة ؟ قال : نعم ، أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسارق ، فأمر به ، فقطع ، ثم أمر بيده فعلقت في عنقه .

                                                                                      قال ابن حبان كان حجاج صلفا ، خرج مع المهدي إلى خراسان ، فولاه القضاء . قال : ومات منصرفه من الري سنة خمس وأربعين ومائة تركه ابن المبارك ، ويحيى القطان ، وعبد الرحمن ، وابن معين ، وأحمد . [ ص: 74 ] كذا قال ابن حبان ، وهذا ليس بجيد . وقد قدمنا عبارات هؤلاء في حجاج ، نعوذ به - تعالى - من التهور في وزن العلماء .

                                                                                      قال ابن حبان : سمعت محمد بن الليث الوراق ، سمعت محمد بن نصر ، سمعت إسحاق الحنظلي ، عن عيسى بن يونس ، قال : كان حجاج بن أرطاة لا يحضر الجماعة ، فقيل له في ذلك ، فقال : أحضر مسجدكم حتى يزاحمني فيه الحمالون والبقالون ؟ . ونقل غير واحد : أن الحجاج بن أرطاة قيل له : ارتفع إلى صدر المجلس ، فقال : أنا صدر حيث كنت . وكان يقول : أهلكني حب الشرف . وقد طول ابن حبان وابن عدي ترجمته .

                                                                                      قال النسائي : ذكر المدلسين : الحسن ، قتادة ، حجاج بن أرطاة ، حميد ، سليمان التيمي ، يونس بن عبيد ، يحيى بن أبي كثير ، أبو إسحاق الحكم بن عتيبة ، مغيرة ، إسماعيل بن أبي خالد ، أبو الزبير ، ابن أبي نجيح ، ابن جريج ، ابن أبي عروبة ، هشيم ، سفيان بن عيينة . وزدت أنا : الأعمش ، مكحول ، بقية بن الوليد ، الوليد بن مسلم ، وآخرون .

                                                                                      وكان آخر من حدث عن حجاج عبد الرزاق بن همام .

                                                                                      قال الهيثم بن عدي : مات الحجاج بن أرطاة بخراسان مع المهدي . [ ص: 75 ] وفي ذهني أنه بقي إلى سنة تسع وأربعين ومائة وقد مر قول ابن حبان في ذلك .

                                                                                      فصل

                                                                                      في طبقة حجاج جماعة باسمه فتراهم يجيئون في الإسناد فيقع الاشتباه في الاسم

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية