الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      جوهر

                                                                                      الأمير الكبير ، قائد الجيوش أبو الحسن ، جوهر الرومي المعزي ، من نجباء الموالي .

                                                                                      قدم من جهة مولاه المعز في جيش عظيم في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، فاستولى على إقليم مصر وأكثر الشام ، واختط القاهرة ، وبنى بها دار الملك ، وكان عالي الهمة ، نافذ الأمر ، وتهيأ له أخذ البلاد بمكاتبة من أمراء مصر ، قلت عليهم الأموال ، ولما وصلت كتائب العبيدية - وكانوا [ ص: 468 ] نحوا من مائة ألف - بعث إلى جوهر وجوه المصريين يطلبون الأمان وتقرير أملاكهم ، فأجابهم ، وكتب بذلك عهدا ، واختلفت كلمة الإخشيذية ، ووقع حرب يسير . وقيل : بل قتل خلق من الإخشيذية ، وانهزم الباقون ، ثم نفذوا يطلبون أمانا ، فأمنهم جوهر ، ومنع جيشه من نهب الرعية ، وفتحت أسواق مصر ، ثم دخل في هيئة الملوك ، وعليه قباء ديباج ، فحفر لليلته أساس قصر الخلافة ، وبعث إلى المعز برءوس القتلى ، وقطعت الخطبة العباسية ، وألبس الخطباء البياض ، وأذنوا بحي على خير العمل .

                                                                                      وكان جوهر هذا حسن السيرة في الرعايا ، عاقلا أديبا ، شجاعا ، مهيبا ، لكنه على نحلة بني عبيد التي ظاهرها الرفض ، وباطنها الانحلال ، وعموم جيوشهم بربر وأهل زعارة وشر ، لا سيما من تزندق منهم ، فكانوا في معنى الكفرة ، فيا ما ذاق المسلمون منهم من القتل ، والنهب ، وسبي الحريم ، ولا سيما في أوائل دولتهم ، حتى إن أهل صور قاموا عليهم وقتلوا فيهم ، فهربوا ، حتى إن أهل صور استنجدوا بنصارى الروم فجاءوا في المراكب ، وكان أهل صور قد لحقهم من المغاربة من الظلم ، والجور ، وأخذ الحريم من الحمامات والطرق أمر كبير .

                                                                                      وقد خرج على جوهر هفتكين التركي ، فالتقاه فانهزم جوهر وتحصن بعسقلان ، فحاصره سبعة عشر شهرا ، ثم طلب الأمان فأمنه ، فذهب إلى مصر ، ودخل وبين يديه من أحمال المال ، ألف ومائتا صندوق .

                                                                                      ولقد كان المعز في زمانه أعظم بكثير من خلفاء بني العباس .

                                                                                      مات في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية