الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      يزيد بن معاوية

                                                                                      ابن أبي سفيان بن حرب بن أمية ، الخليفة ، أبو خالد ، القرشي ، [ ص: 36 ] الأموي ، الدمشقي ، قد ترجمه ابن عساكر ، وهو في تاريخي الكبير .

                                                                                      له على هناته حسنة ، وهي غزو القسطنطينية ، وكان أمير ذلك الجيش ، وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري .

                                                                                      عقد له أبوه بولاية العهد من بعده ، فتسلم الملك عند موت أبيه في رجب سنة ستين ، وله ثلاث وثلاثون سنة . فكانت دولته أقل من أربع سنين ، ولم يمهله الله على فعله بأهل المدينة لما خلعوه . فقام بعده ولده نحوا من أربعين يوما ، ومات . وهو أبو ليلى معاوية . عاش عشرين سنة وكان خيرا من أبيه ، وبويع ابن الزبير بالحجاز والعراق والمشرق .

                                                                                      ويزيد ممن لا نسبه ولا نحبه ، وله نظراء من خلفاء الدولتين ، وكذلك في ملوك النواحي ، بل فيهم من هو شر منه ; وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتسع وأربعين سنة ، والعهد قريب ، والصحابة موجودون ، كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجده .

                                                                                      قيل : إن معاوية تزوج ميسون بنت بحدل الكلبية ، فطلقها وهي حامل بيزيد ، فرأت كأن قمرا خرج منها ، فقيل : تلدين خليفة .

                                                                                      وكان يزيد -لما هلك أبوه- بناحية حمص فتلقوه إلى الثنية وهو بين أخواله على بختي ليس عليه عمامة ولا سيف . وكان ضخما كثير [ ص: 37 ] الشعر ، شديد الأدمة ، بوجهه أثر جدري . فقال الناس : هذا الأعرابي الذي ولي أمر الأمة ! فدخل على باب توما ، وسار إلى باب الصغير ، فنزل إلى قبر معاوية ، فوقف عليه وصفنا خلفه وكبر أربعا ، ثم أتي ببغلة ، فأتى الخضراء وأتى الناس لصلاة الظهر ، فخرج وقد تغسل ولبس ثيابا نقية ، فصلى وجلس على المنبر ، وخطب وقال : إن أبي كان يغزيكم البحر ، ولست حاملكم في البحر ، وإنه كان يشتيكم بأرض الروم فلست أشتي المسلمين في أرض العدو ، وكان يخرج العطاء أثلاثا وإنى أجمعه لكم . فافترقوا يثنون عليه .

                                                                                      وعن عمرو بن قيس ، سمع يزيد يقول على المنبر : إن الله لا يؤاخذ عامة بخاصة إلا أن يظهر منكر فلا يغير ، فيؤاخذ الكل ، وقيل : قام إليه ابن همام فقال : أجرك الله يا أمير المؤمنين على الرزية ، وبارك لك في العطية ، وأعانك على الرعية ، فقد رزئت عظيما ، وأعطيت جزيلا ، فاصبر واشكر ، فقد أصبحت ترعى الأمة ، والله يرعاك .

                                                                                      وعن زياد الحارثي قال : سقاني يزيد شرابا ما ذقت مثله ، فقلت : يا أمير المؤمنين لم أسلسل مثل هذا . قال : هذا رمان حلوان ، بعسل أصبهان بسكر الأهواز ، بزبيب الطائف ، بماء بردى .

                                                                                      وعن محمد بن أحمد بن مسمع قال : سكر يزيد ، فقام يرقص ، فسقط على رأسه فانشق وبدا دماغه .

                                                                                      قلت : كان قويا شجاعا ، ذا رأي وحزم ، وفطنة ، وفصاحة ، وله شعر جيد وكان ناصبيا فظا ، غليظا ، جلفا . يتناول المسكر ، ويفعل المنكر .

                                                                                      [ ص: 38 ] افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس .

                                                                                      ولم يبارك في عمره . وخرج عليه غير واحد بعد الحسين . كأهل المدينة قاموا لله وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري ونافع بن الأزرق وطواف بن معلى السدوسي وابن الزبير بمكة .

                                                                                      ابن عون : عن ابن سيرين ، عن عقبة بن أوس ، عن عبد الله بن عمرو ، أنه ذكر أبا بكر الصديق فقال : أصبتم اسمه ، ثم قال : عمر الفاروق قرن من حديد ، أصبتم اسمه ، ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة والسفاح ، وسلام ومنصور وجابر ، والمهدي ، والأمين ، وأمير العصب كلهم من بني كعب بن لؤي ، كلهم صالح ، لا يوجد مثله . تابعه هشام بن حسان .

                                                                                      وروى يعلى بن عطاء ، عن عمه ، قال : كنت مع عبد الله بن عمرو حين بعثه يزيد إلى ابن الزبير ، فسمعته يقول له : إني أجد في الكتب : إنك [ ص: 39 ] ستعنى ونعنى ، وتدعي الخلافة ولست بخليفة ، وإني أجد الخليفة يزيد .

                                                                                      وعن الحسن ، أن المغيرة بن شعبة ، أشار على معاوية ببيعة ابنه ففعل ، فقيل له : ما وراءك؟ قال : وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة ، قال الحسن : فمن أجل ذلك بايع هؤلاء أولادهم ، ولولا ذلك لكان شورى .

                                                                                      وروي أن معاوية كان يعطي عبد الله بن جعفر في العام ألف ألف . فلما وفد على يزيد أعطاه ألفي ألف وقال : والله لا أجمعهما لغيرك .

                                                                                      روى الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، عن أبي عبيدة مرفوعا : لا يزال أمر أمتي قائما حتى يثلمه رجل من بني أمية يقال له : يزيد .

                                                                                      أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ، ويرويه صدقة السمين -وليس بحجة- عن هشام ، عن مكحول ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة مرفوعا .

                                                                                      [ ص: 40 ] وعن صخر بن جويرية ، عن نافع قال : مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى ابن الحنفية ، فأرادوه على خلع يزيد فأبى ، فقال ابن مطيع : إنه يشرب الخمر ، ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب ، قال : ما رأيت منه ما تذكر وقد أقمت عنده ، فرأيته مواظبا للصلاة ، متحريا للخير ، يسأل عن الفقه . قال : ذاك تصنع ورياء .

                                                                                      وروى محمد بن أبي السري العسقلاني ، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، عن نوفل بن أبي الفرات ، قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز فقال رجل : قال أمير المؤمنين يزيد ، فأمر به فضرب عشرين سوطا .

                                                                                      توفي يزيد في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية