في رحيل العلامة عبد الكريم زيدان العالم الرباني

28/01/2014| إسلام ويب

بوفاة العلامة عبد الكريم زيدان اليوم 27 يناير 2014م عن عمر يناهز السابعة والتسعين عاما، وما يقرب من قرن بالتقويم الهجري، تفقد الأمة علما من أعلامها، وكوكبا من كواكب الهداية في سمائها، وينهدم ركن من أركان العلم في عصرنا، ويثلم في بنيانه ثلمة لا تسد حتى يقوم مقامه عالم غيره.

وقد روي من حديث جابر مرفوعا: "موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها اختلاف الليل والنهار". والطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه: "موت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسد، وموت قبيلة أيسر من موت عالم، وهو نجم طمس" . ومنها عن ابن عمر، أخرجه الديلمي بلفظ: "ما قبض اللَّه عالما إلا كان ثغرة في الإسلام لا تسد"، وثبت كما في صحيح الحاكم من حديث عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا" سورة الرعد آية 41 قال: موت علمائها . وللبيهقي من حديث معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر أنه قال: "موت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا".
وعن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ لا يَنْزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، أَيْ يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ, وَلَكِنْ يَنْزِعُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ, حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا, فَسُئِلُوا, فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".

ونحن نرى اليوم رؤوسا جهالا يفتون بغير علم فيَضلون ويُضلون، وقد قال لبيد ابن ربيعة:

إنَّ الرزية لا رزيّة مثلهَا              فقدانُ كلِّ أخٍ كضوءِ الكوكبِ
ذهبَ الذينَ يعاشُ في أكنافهمْ        وبَقيتُ في خَلْفٍ كجِلدِ الأجرَبِ
لا ينفعون ولا يُرجَّى خيرهم          وَيُعاَبُ قائِلُهُمْ وإن لَمْ يَشْغَبِ

سيرة ذاتية
ولد عبد الكريم زيدان ببغداد سنة 1917م ونشأ فيها وتدرج، وتعلم قراءة القرآن الكريم في مكاتب تعليم القرآن الأهلية، ورحل إلى العمل في اليمن، وعمل في العديد من جامعاتها.
أكمل دراسته الأولية في بغداد، فدخل دار المعلمين الابتدائية، وبعد تخرجه فيها أصبح معلما في المدارس الابتدائية, ودخل كلية الحقوق ببغداد وتخرج فيها، وعين بعدها مديرا لثانوية النجيبية الدينية، والتحق بمعهد الشريعة الإسلامية من جامعة القاهرة ونال الماجستير بتقدير ممتاز وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1962 بمرتبة الشرف الأولى، في موضوع: "أحكام الذميين والمستأمنين في الشريعة الإسلامية".

ترك للمكتبة الفقهية والأصولية عددا كبيرا من المؤلفات، منها: أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، والمدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، والكفالة والحوالة في الفقه المقارن، وأصول الدعوة، والفرد والدولة في الشريعة، والمفصل في أحكام المرأة وبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، والوجيز في شرح القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية، والشرح العراقي للأصول العشرين، ونظرات في الشريعة الإسلامية، وأثر القصود في التصرفات والعقود، واللقطة وأحكامها في الشريعة الإسلامية، وأحكام اللقيط في الشريعة الإسلامية، وحالة الضرورة في الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، والاختلاف في الشريعة الإسلامية، وعقيدة القضاء والقدر وآثرها في سلوك الفرد، والعقوبة في الشريعة الإسلامية، وحقوق الأفراد في دار الإسلام، والقيود الواردة على الملكية الفردية للمصلحة العامة في الشريعة الإسلامية، ونظام القضاء في الشريعة الإسلامية، وموقف الشريعة الإسلامية من الرق، والنية المجردة في الشريعة الإسلامية، ومسائل الرضاع في الشريعة الإسلامية.

كان عبد الكريم زيدان أصوليا فقيها قانونيا سياسيا عقيديا داعية ربانيا عالما عاملا، جامعا بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر، مرتبطا بالأصل ومتصلا بالعصر، ينظر بعين على نصوص الشريعة، وبالعين الأخرى على تطور الواقع ومجرياته، فجاء فقهه وإنتاجه العلمي حيا نافعا خالدا، انتفع به الفقهاء، والقانونيون، والأصوليون، والدعاة، والسياسيون، وغير ذلك من تخصصات.
تميزت مؤلفات عبد الكريم زيدان بالعمق العلمي والتأصيل الشرعي والمنهجية الراسخة والتناول العميق والوعي بالواقع، والملائمة بينه وبين الشرع بما لا يخالف الأصول والكليات، فجاءت اجتهاداته على قدَر مع الواقع، متميزة، نافعة مفيدة، سدت خللا، وجبرت نقصا، وزينت المكتبة الأصولية والفقهية.

أشهد بأن د. عبد الكريم زيدان كان أعمق من قرأت لهم في مجال الفقه والأصول من المعاصرين، ومع هذا لم تقتصر جهوده على الفقه والأصول فقط، وإنما تعدى هذا إلى مجالات أخرى مثل الدعوة والدراسات القرآنية والسياسة والعقيدة والنظم والقانون، حتى حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية سنة 1417 هـ / 1997م، عن كتابه: "المفصل في أحكام المرأة وبيت المسلم في الشريعة الإسلامية". وهو في 11 مجلدا.

إن الدرس المهم الذي يجب أن نعيه في نعي عالمنا الجليل وداعيتنا الرباني هو أن نقوم على تنشئة جيل من العلماء الواعين بالشرع والمتصلين بالعصر الذين يجمعون بين فقه النص وفقه الواقع وفقه تنزيل النص على الواقع، حتى يسدوا هذا النقص الذي يتسع يوما بعد يوم برحيل الربانيين الراسخين في العلم، وحتى يبلّغوا الرسالة ويؤدوا الأمانة، ويقوموا بواجبهم نحو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم.
رحم الله العلامة الكبير د. عبد الكريم زيدان، وأخلف الأمة فيه خيرا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
 

www.islamweb.net