حماس ليست وحدها في المعركة .. وستنتصر بإذن الله

17/09/2003| إسلام ويب


إن حركة المقاومة الإسلامية حماس تمر اليوم في المرحلة الأشد ابتلاء ومحنة، ولطالما انتظرتُ هذه المرحلة بفارغ الصبر، وكثيرا ما تحدثتُ عنها في خطبي ودروسي مبشرا باقترابها وبما ستنتهي إليه من عزة ونصر وتمكين، وتبشيري باقترابها لا يعني أنني أتوق للمحنة لذاتها، لأننا دائما نسأل الله العفو والعافية، ولكن لإدراكي أنها مرحلة لابد من اجتيازها على طريق النصر القادم الذي ننتظر ونحب، وسنحقق النصر بإذن الله، رغم ما نحن عليه من ضعف مادي، وما عليه العدو من قوة ومنعة، وأمام كلماتي هذه ستختلف نظرات القراء :

فمنهم من سيصفنا بأننا ثلة من المجانين، ولن يترددوا في اتهامنا بأننا أناس عاطفيون، أو أصحاب عقول متحجرة، بعيدون عن الواقع، لا ندرك المتغيرات الدولية والإقليمية، ثم يتساءلون ألا يرى هؤلاء المجانين أن اليهود يملكون من أسلحة الدمار والتكنولوجيا ما يمكنهم من قصف بيوتهم فيدمرونها فوق رؤوسهم، فتتناثر أشلاء أطفالهم ونسائهم وشيوخهم هنا وهناك؟!! في مشهد درامي يومي مروع، وقد أصبحت الدماء تصبغ كل شيء في حياتهم، واليهود بحقدهم على الإسلام لن يتورعوا عن ملاحقتهم وذبحهم في مذابح جماعية أو اغتيالات فردية، وقد وصل الأمر بهم أن يقصفوا البيت الذي تواجد فيه رمز من رموز الأمة الإسلامية البارزين في تاريخنا المعاصر الشيخ أحمد ياسين، والقائد المجاهد إسماعيل هنية، فأي نصر هذا الذي يتحدث عنه هؤلاء المجانين؟؟ أي نصر هذا وأمريكا بكل ما أوتيت من قوة، وظلم، وإرهاب تقف جنبا إلى جنب مع القتلة اليهود وهم يفتكون بالمسلمين؟؟ وهاهي أوروبا تكشف عن حقيقتها المعادية لأماني وطموحات شعبنا الفلسطيني فتلحق بأمريكا وقد وضعت حركة حماس على قائمة الإرهاب، فأي نصر هذا الذي يبشرون بإحرازه قريبا؟؟.

وأصحاب هذا الموقف صنفان من الناس، صنف جاهل ينظر إلى الأمور بمقاييس مادية بحتة ولا يرى شيئا أبعد من الملموس، وهؤلاء نعذرهم ونسأل الله لهم الهداية وأن ينير بصيرتهم، وصنف متحامل ينظر إلى الحركة وفق ما يعتمل في صدره من غل وحقد وحسد، وهذا مرض خطير يصيب القلوب فلا نملك إلا أن نسأل الله لهم الشفاء مما هم فيه، ليروا حقيقة أمرنا بعيدا عما يعتلج في دواخل نفوسهم، وقد يصل بهؤلاء أن يرجمونا بالجهل، أو يقولوا كما قال أسلافهم من قبل (غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ) (الأنفال:49).

ومن الناس من سيقف بقلبه ومشاعره مع حركة حماس واثقين من صدقها، مطمئنين لإخلاصها، ولكنهم في نفس الوقت يضعون تعقيدات الواقع نصب أعينهم فلا يرون ما تراه الحركة من اقتراب يوم النصر، ولكنهم لا يصلون إلى درجة الإنكار على الحركة، مفعمين بالأمل أن تكون الحركة صائبة في رؤيتها، وهؤلاء سيصل بهم الحال يوما إلى التسليم الكامل بحتمية النصر واقتراب أجله، لأنهم يملكون علما وإخلاصا، ولكن لسان حالهم يقول (بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة:260).

ومن الناس من ملك عمق الإيمان والعلم، فعلم سنن الله التي لا تتبدل، ولا يحول دون تحقيقها قوة بشرية مهما عظمت، اطمأنت قلوبهم واستقرت نفوسهم لقول الله عز وجل (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:47)، واثقين أن هذا النصر يتحقق رغم قوة أمريكا وأوروبا والصهاينة فلا تعجزه هذه القوى سبحانه (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (لأنفال:59)، فالأمر إذا متعلق بنصرة الله لنا، ونصرة الله لنا متعلقة بنصرتنا له، ونصرتنا له متعلقة بعمق الإيمان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران:160)، ولكن دون نصر الله تمحيص وابتلاء للمؤمنين (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:141). وهذا يعني أنه لابد من شدة قبل محق الكافرين، أي لن يأتي النصر إلا بعد زلزلة المؤمنين في فلسطين (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214)، إذن لسنا وحدنا في المعركة، فمعنا الله أولا ومعنا المؤمنون ثانيا (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (لأنفال:62)

والدارس للتاريخ القديم منه والحديث يرى أن الشعوب المقهورة انتصرت رغم ضعفها وقوة عدوها، واليوم يسجل المجاهدون في العراق نصرا حقيقيا مشرفا على أقوى وأجرم دولة عرفها التاريخ، نصرا دفع الولايات الأمريكية المتحدة للتراجع عن مخططاتها الشيطانية التي وعدت فيها بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وفق المصلحة الأمريكية، اليوم يقف البيت الأبيض عاجزا يرجو دول العالم أن تنقذه من أوحال العراق، وسينتصر العراق بإذن الله رغم اختلال موازين القوى، لأن المقاومة جعلت لبقاء أمريكا في العراق ثمنا باهظا، فهناك استنزاف بشري مذهل، وهناك استنزاف اقتصادي هائل، فالبيت الأبيض يطلب حاليا مبلغ 87 مليار دولار ليستمر الوجود الأمريكي في العراق وأفغانستان، ولكن أمريكا وضعت هيبتها على المحك مما سيجعلها تكابر فلا تخرج من العراق إلا مضطرة وقد أصبحت على شفا الانهيار كما انهار الاتحاد السوفييتي بعد غزوه أفغانستان، وأما العراقيون فسيدفعون ثمن جهادهم باهظا، ولكن المعادلة التي تبشر بالنصر أن المجاهدين في سبيل الله كلما زادت تضحياتهم زادت قوتهم، ومن ثم تصبح الأمور أكثر تعقيدا لدى أعدائهم.

واليوم تشتد الهجمة على حماس، ولا يعني اشتداد الهجمة أن العدو في وضع جيد، أو انه قريب من تحقيق أهدافه، بل على النقيض تماما هذه الهجمة تعكس حالة الخوف والإحباط واليأس الذي يعيشها الاحتلال، ولو نظرنا إلى الإجراءات الأمنية المشددة التي أحالت حياتهم إلى جحيم أدركنا الحقيقة التي تقول أنهم على حافة الانهيار المعنوي والنفسي الخطير، والمعركة في فلسطين على غير ما يهوى اليهود الصهاينة بدت واضحة بين الإسلام بما يملك من طاقات روحية ومبدئية هائلة، وبين يهود صهاينة يملكون آلة دمار كبيرة ولكنهم جبناء، فهم يعلمون أن حماس لن تتراجع أمام ضرباتهم، ويدركون أن القضاء على قادة حماس السياسيين المعلنين سيؤدي إلى شيء واحد فقط وهو ظهور قيادة سرية وهذا حدث يوم اعتقلوا مؤسسي حماس بما فيهم الشيخ أحمد ياسين عام 1989م، وهذا لم يضعف الحركة في الماضي وحتما لن يضعفها في المستقبل، ونخلص من كل ذلك أن حماس أيا كان حجم الهجمة عليها فالنتيجة الأكيدة أن الحركة ستزداد قوة وانتشارا، كما أنها ستكرس حق الشعب الفلسطيني في كامل وطنه وهذا يعني أن كل التنازلات التي جرت عبر المفاوضات ستصبح أثرا بعد عين، أي أن سقف التطلعات السياسية للشعب الفلسطيني سيرتفع إلى مستواه الشرعي.

أما العدو الصهيوني فسينجح في إزهاق العديد من الأرواح، وسينجح في إحداث تخريب واسع وتدمير كبير، ولكنه سيفشل في توفير الأمن الذي انتخب الإرهابي "شارون" من أجل تحقيقه في مائة يوم، وبسبب فشله حتى يومنا هذا تأتي الهجمة على حماس التي يعتبرها الكيان الصهيوني أنها تشكل خطرا استراتيجيا على المشروع الصهيوني الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني، وانتهاء حقبة "شارون" دون أن يوفر الأمن وهذا ما سيحدث بإذن الله لا تعني هزيمة "شارون" فقط ولكن هزيمة هذا الكيان، "فشارون" يمثل آخر طلقة في جعبة هذا الكيان قادرة على توفير الأمن، فإن فشل فما بعده أفشل، وفشل الكيان المؤكد بإذن الله سيضطر هذا الكيان المسخ للبحث عن بدائل ستكون على حساب المشروع الصهيوني تماما كما يحدث لأمريكا في العراق وهي تبحث عن بدائل لمخططاتها السابقة التي أطلقتها عندما اغترت بقوتها واستخفت بالعراقيين الأبطال.

www.islamweb.net