الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أخي مصاب باكتئاب ذهاني أم فصام؟ وما الفرق بينهما؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أخي عمره 21 عاماً، ويدرس في كلية الطب، شخص منذ 10 أيام بتشخيص مبدئي psychotic depression، وهو حالياً على olanzapine 5 mg و paroxitine 10 mg.

بدأت مشكلته تقريبا منذ 4 سنوات، حيث كان يقول أن أصحابه يقولون عنه قصير ويسخرون منه، علماً أنه متوسط الطول، وكان يشتكي من أصحابه لأنهم يقولون له أنه تنبعث من فمه رائحة كريهة، مع عدم وجود هذا الشيء، الأمر الذي جعلنا نعرضه على طبيب بسبب أنه من 3 أيام لم ينم، وصار يكلم نفسه ويضحك أمامنا من غير مبرر، وكان يفرش أسنانه تقريباً 20 مرة في اليوم، في هذه الأثناء عرفنا أنه مريض، وعندما سألناه قال: لا أحد يحبني بسبب رائحة فمي الكريهة، علماً أنه هذه كلها تهيؤات.

ويتصور أن هناك أشخاصاً يراقبونه، وأنه يقرأ أفكار الناس، وأنه ذهب يصلي في المسجد وأنهم طردوه بسبب رائحته، معظم تهيؤاته تدول حول موضوع الرائحة، وهو انطوائي وغير اجتماعي ومكتئب، لا يسمع أصواتاً تكلمه، وبعض الأحيان يرى مثل السواد، والشيء المفجع أنه هذا التهيؤات موقن بوجودها، عندما نقول له أنه لا توجد رائحة يرتاح قليلاً، ثم يعاودنا السؤال، وأخذ يسأل أصحابه، وسألته: أثناء التهيؤات هل تكون مكتئباً؟ أجاب بنعم، وذكر أن التهيؤات قبل الاكتئاب، معظم تهيؤاته من الماضي، أشياء قديمة حدثت يفسرها بشكوكه، وعنده أحياناً تأنيب الضمير.

وأختي الكبرى عمرها الآن 38 عاماً، منذ كان عمرها 14 عاماً، وهي تضحك مع نفسها، وتكلم نفسها أمامنا، وتعيش في عالمها الخاص، وقد ذهبت لطبيب نفسي وأعطاها أدوية، وتركتها لأنها تسبب لها النوم، صراحة لا أعرف ما تشخيص حالتها، علما أنها متزوجة، وعندها أطفال ولا تهتم بهم، لا يوجد فصام في العائلة، ولا العمات ولا الخالات، وأسئلتي كالتالي:

1. هل التشخيص صحيح؟! لأني طبيبة، وأعرف أنه في psycotic depression أن الشخص يعرف أن التهيؤات غير حقيقية، وأخي موقن أن رائحة فمه كريهة، وأن الناس تسخر منه.

2. هو يقول أنه يرى نفسه طبيعياً، وأنه غير مريض، على الرغم أنه جاءنا قبل أن تتدهور حالته، وأخبرنا أنه يريد أن يذهب لطبيب نفسي.

3. أخاف أن يكون paranoid schizophrenia، وهو أيضاً متخوف فهو طبيب، وقد قرأ عن هذه المواضيع بتوسع، ومع الأدوية تحسنت حالته في أسبوع، لكن مشكلة رائحة الفم ما زالت موجودة، لكن أقل، وما زال يفكر في أحداث الماضي.

4. إذا كان فصاماً، هل يستطيع أن يكمل مهنة الطب؟ وأن يعيش حياة طبيعية ويتزوج؟

5. مع الأدوية كل وقته نائم، وفي الدوام يشعر أنه غير مركز، فكيف سيكمل مهنة صعبة كهذه بهذا الوضع؟ على العلم أن تقديره ممتاز في السنوات الماضية، لكن أخشى أن يقل مستواه.

6. هل يمكن له أن يسوق السيارة بهذا الوضع من الخمول، وعدم التركيز مع الأدوية ومن حالته؟

7. طول هذه السنوات كان يعاني من هذا الشيء، ونحن غير منتبهين، هل لأنه كان يحس أنها مجرد أوهام فقط؟

8. ما الفرق بين الاكتئاب الذهاني والفصام؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Samar حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

أشكر لك تواصلك مع إسلام ويب وثقتك في هذا الموقع.

لا شك أن الرأي الذي قال به الطبيب الذي قام بفحص أخيك –حفظه الله– هو الأرجح، والقول الأفضل، لأن من رأى وشاهد ليس كمن سمع، بالرغم من وصفك الجميل والتفصيلي للحالة.

الأمر الثاني: هنالك تداخل كبير جدًّا بين مرض الفصام ومرض الاكتئاب الذهاني، لكن أيضًا توجد فوارق، هذا قطعًا لا ننكره.

ما أوردته في رسالتك يجعلني أكثر ميولاً أن هذا الأخ –شفاه الله– يعاني من مرض الفصام الزواري -أو ما يعرف بالفصام الباروني، أو الظناني-، والدلائل كثيرة جدًّا على ذلك، أنه بالفعل يعاني من الأفكار التي تطابق معايير تشخيص الفصام، والشيء الآخر هو: أن شخصيته لا زالت متماسكة، ومهاراته محتفظ بها، وهذا نشاهده كثيرًا في الفصام الزواري، وهو قطعًا من أفضل أنواع الفصام علاجًا، للدرجة التي تجعلني أعتبره أفضل من الاكتئاب الذهاني، لأن الاكتئاب الذهاني قد يجعل صاحبه عُرضة لمخاطر كثيرة، ومنها أنه قد يأخذ حياته عنوة، ومعظم الذين يعانون من الاكتئاب الذهاني، يتضح في نهاية الأمر أنهم يعانون من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب من الدرجة الأولى.

بالنسبة للفكرة التي تأتيه حول رائحة الفم، لا شك أنها فكرة ضلالية ذهانية، وبما أنه يحاول أن ينظف فمه أكثر من عشرين مرة متتالية، هذا يدل على وجود نوع من الوساوس، لكن في ذات الوقت لديه درجة من الاستبصار الجزئي، فهو عرف السبب، ويريد أن يتخذ الوسائل التي تصحح مساره، لكن قطعًا الأمر كله يقوم على مقاصد مرضية، بما أنه كان يعاني من بعض التوجهات الضلالية الظنونية، فهذا ربما يكون سمة من سمات شخصيته، ويعرف أن هؤلاء المرضى بعضهم ينتهي بمرض الفصام.

أنا أؤكد لك أن مرض الفصام الباروني يمكن علاجه، يمكن تجاوزه، وأخيوك -بفضل من الله تعالى- لديه ملكات، لديه مقدرات معرفية، وهذا سوف يساعد على تأهيله كثيرًا.

وبالنسبة لمقدرته على العمل، هذا يعتمد على مدى التزامه بالعلاج، أنا أعرف أطباء يتعالجون وجيدون جدًّا، لكن دائمًا ننصح لهم ببعض التخصصات التي لا تجعلهم في احتكاك مباشر مع المرضى، عمومًا هذا أمر سابق لأوانه، وإذا تناول العلاج أعتقد أنه سوف يعيش حياة سعيدة، وليس هنالك ما يمنعه أبدًا من قيادة السيارة.

الخمول: هنالك أدوية لا تؤدي إلى الخمول، وأدوية تؤدي إلى النشاط، وإلى تحسين التركيز، منها عقار (سيرإندول) الذي يستعمل لعلاج الفصام، وعقار (إرببرازول) ،هذه كلها أدوية ميقظة وفاعلة جدًّا، -الحمد لله تعالى- الآن نحن نعيش في عهد تطور فيه الطب النفسي تمامًا.

بالنسبة لسؤالك الأخير: ما الفرق بين الاكتئاب الذهاني والفصام؟

هنالك معايير تشخيصية فارقة جدًّا، مثلاً في حالة أخيك ما يعاني منه من اكتئاب هو ثانوي، ويعرف أن كثيرًا من مرضى الفصام، خاصة إذا كان لديهم استبصار جزئي كحالته، يصابون قطعًا بعسر في المزاج وشعور بالكدر، أما في حالة الاكتئاب الذهاني، فيكون الاكتئاب عميقاً مسيطراً مستحكماً مستحوذاً، وبعد ذلك تأتي للإنسان الأفكار الذهانية، والأفكار الذهانية ذات طبيعة خاصة، من أهم سماتها أن الإنسان يرى نفسه فاشلاً، وقبيحًا، وأنه شخص لا يستحق الحياة، أما في حالة الفصام فغالبًا ما تكون الضلالات والأوهام والأفكار الظنانية من النوع المحايد.

أعطيك مثالاً بسيطًا جدًّا: إذا أتانا مريض يعاني من مرض الهوس –وهو الانشراح الزائد- مع وجود أفكارًا ظنانية، هذا المريض يتهم جاره بأنه يريد أن يقتله، وحين نسأله لماذا؟ يقول: (لأنني أثرى منه وأنا أغنى رجل في العالم)، المريض نفسه إذا أتانا باكتئاب ذهاني يقول: (إن جاري يريد أن يقلتني) حين نسأله لماذا؟ يقول: (لأنني أستحق ذلك، لأني أحقر خلق الله، ووجودي هنا سوف يؤزم العالم)، أما إذا كان المريض نفسه يعاني من مرض الفصام ويأتينا ويقول: (جاري يريد أن يقتلني) حين نقول له لماذا؟ يقول: (والله هو يريد أن يقتلني، لا أعرف، أنا متأكد من ذلك) إذًا يعطينا فكرة حيادية جدًّا من الناحية الوجدانية، أما مريض الهوس فيرى نفسه في حالة العظمة والكبرياء، ومريض الاكتئاب يرى نفسه في حالة من الضياع والحضيض.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية أحمد القرشي

    رائع يا دكتور ، شرح رائع جداً ، أسأل الله أن يشفي مرضانا ومرض المسلمين .

  • مصر mh

    جزاك الله خيرا يادكتور محمد على هذه الردود و الأستجابات و جعله فى ميزان حسناتكم و ربنا يشفى كل مريض شفاءا لا يغادر سقما يارب العالمين

  • hari

    marsi

  • مصر سعيد

    عظم الله اجرك

  • أمريكا جنتات

    تفسير جميل و مفصل و مفيد شكرا دكتور

  • مصر اسلام

    انا شخصت فصام بارانوي في ما مضي وتم إكتشاف إصابتي بإكتئاب ذهاني وحالتي متحسنة إلي حد كبير وأنصح الأخت لأخيها اسشارة الطبيب عن أخد العقارات الحديثة نسبيا مثل الأريببرازول فهو جيد جدا للفصام البارانوي أن . آخذه لعلاج الحالة الذهانية لي
    وهناك تشابه فظيع يصععب علي الأطباء الفصل بين بعض الحالات في الفصام البارانوي والإكئاب الذهاني
    واللهم إحفظ المسلمين من الجنون وعذابه ياااا رب

  • المملكة المتحدة مريم

    سلام عليكم بارك الله فيك على هذا التوضيح

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً