الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما تقدم شاب لخطبة أختي الكبيرة يقوم والدي برفضه

السؤال

السلام عليكم

أبي يقوم برفض كل شخص يتقدم لخطبة أختي الكبرى لأسباب واهية، وقبل فترة تقدم لها شاب توفرت فيه كل الشروط التي كان يطلبها أبي، ولم يرفض بداية، وتولى أخي الأكبر مهمة السؤال عنه، وبعد الاستشارة والاستخارة وقبل أن يأتوا لنا لتتم الخطوبة رسمياً رفض دون أن يذكر أي سبب!

قمنا بالاستعانة ببعض الأهل لإقناعه، ودون جدوى، واستمر الموضوع لأكثر من شهر، وتسبب في مشاكل كبيرة في البيت، لأن أختي عمرها الآن 27 عاماً، وكانت موافقة على الشاب بعد أن استخارت واستشارت، وقد تحدثت مع أبي كثيراً وبحرقة وبكاء، وأيضاً دون فائدة، وشاء الله وتم الرفض بعد أن صبر علينا الشاب كثيراً دون فائدة.

قبل شهر ونصف تقريباً تقدم أخي لخطبة فتاة أعرفها، ومن صديقاتي وذات خلق ودين -نحسبها كذلك- وكان ذلك على علم من أبي، ولم يعترض وجاء أبوها للتعرف علينا، وجلس مع أبي، وكان الأمر طبيعياً، لأن أبي لم يتوقع الموافقة، وبعد أن جاءت الموافقة منهم وقبل ذهابنا لهم لتأكيد الخطوبة فاجأنا بالرفض دون عذر، غير أنه قال: إنهم ليسوا من جماعتنا، ولم يكن يذكر ذلك قبل موافقتهم.

حاول أخي معه عن طريق تركه لفترة، وعدم الجلوس معه دون فائدة، ولا نعلم كيف نتصرف؟ وما هو المخرج الديني؟
علما أن أبي قد رفض أكثر من 7 شباب مسبقاً تقدموا لأختي دون سبب، وهو أيضا لا يعمل ولا يصرف علينا، ومسؤوليتنا على عاتق أخي، وليس له أصدقاء.

أبي دائم العصبية ودائما ما يسبنا ويشتمنا، حتى أمي يتصرف معها كذلك، فكيف نتصرف معه؟

علما أن أخي -والله شهيد على ما أقول- من أشدنا براً به، ويصرف علينا دون تذمر وتأفف.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقتٍ وفي أي موضوعٍ، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُصلح حالكم، وأن ييسِّر أموركم، وأن يُعينكم على إقناع أبيكم للعدول عن هذه الأفكار السلبية، كما نسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدر والدكم لقبول الحق وعدم رفض من يتقدَّم إليكم أو تتقدمون إليه ممَّن توافرت فيه الشروط الشرعية المعتبرة.

بخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الفاضلة مها – فإنه مما لا شك فيه أن تصرف الوالد غير منطقي وغير مقبول وغير معقول ومرفوض شرعًا أيضًا، لأن الشرع أجاز لولي الأمر أن يرفض من يتقدم لابنته إذا لم تكن به الشروط الشرعية المرعية، كما ورد في كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – أو كان غير كُفء.

أما أن يتقدم الكفء صاحب الدين والخلق والإنسان الناجح في حياته والذي لديه القدرة والباءة – كما ورد في الحديث – ثم يرفضه الوالد لغير شيءٍ، فهذا نوع من التعنت المحرم الذي يأثم به والدك حقًّا، لأنه ليس من حقه أن يُصادر حق الناس في الحياة، خاصة إذا تقدَّم لهم من يصلح ومن تتوافر فيه الصفات الشرعية.

هذا الأمر بالنسبة لأختك وبالنسبة لأخيك، ولذلك أنا أقترح أن تجلسوا معه جميعًا في الأسرة جلسة واحدة في وقتٍ واحد، وأن تقولوا له: (حقيقة نحن نريد أن نعرف ما سبب رفضك لهذه المسائل، لا ترغب في أن يتزوج أخي، ولا ترغب في أن تتزوج أختي، نريد منك شيئًا مقنعًا)، ولابد أن تقفوا معه حقيقة بقوة أمام هذه المسألة.

قولوا له: حقيقة نحن لا نريد أن نخسرك، وفي نفس الوقت أيضًا لا نريد أن نضيع الفرصة على أنفسنا، خاصة وأن أختي قد تقدَّم بها السن، أعطنا حلًّا مناسبًا ونحن ننزل عليه، أما كون المتقدم ليس من جماعتنا، فهذا ليس شرطًا، ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم، بل لعل الزواج من الأباعد أفضل من الزواج من الأقارب، ووردت هناك بعض النصوص التي تحثُّ على ذلك، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – لو نظرت إلى معظم زيجاته لوجدتّهنَّ من الأباعد، ولم يكنَّ من أقاربه – صلى الله عليه وسلم – بل ولم يكنَّ قرشيات، فلقد تزوج النبي – صلى الله عليه وسلم – في المدينة من بنات اليهود، فإذًا لماذا نقول ليس من جماعتنا أو من غيرها.

قولوا له: (نحن نريد حلًّا؛ لأننا إذا لم تستجب لنا حقيقة وتُعطينا حلًّا مُقعنًا ويتفق مع الشرع، فاسمح لنا أننا سنتزوج دون الرجوع إليك) وهذا من باب التهديد، فحاولوا معه، واجتهدوا، إن استطعتم أن تأخذوا منه ردًّا مناسبًا أو تنازلاً عن بعض مواقفه فأعتقد أن ذلك سيكون مكسبًا.

إذا لم يتيسر ذلك فإذا كان هناك من قبيلتكم أو عائلتكم أحد هناك له ثقل وله منزلة وله كيان عند الوالد فلا مانع من الاستعانة به أيضًا للضغط عليه.

إذا لم يتيسر ذلك وأصر والدكم على موقفه فأنا أرى أن يتزوج أخوك دون الرجوع إليه، وإن كان في ذلك نوع من المخاطرة، إلا أنه حقيقة لا أرى أن والدك على حق ولا على صواب، وإذا كان الشرع قد أعطى الوالد حق الرفض فإنما لابد أن يكون هناك من حكم شرعي، ولابد من علَّة.

أما أن يكون الرفض لمجرد الرفض فهذا أمرٌ لا يُقره الشرع ولا يؤيده، وكثير من أهل العلم الآن يتجه إلى إسقاط ولاية الأب في حالة التعنت الذي لا مبرر له ولا وجه له، وإنما هو نوع من التعنت ونوع من الرفض غير المعقول وغير المبرر، لو أنه ذكر سببًا واحدًا مُقنعًا لكان من حقه أن يمنعكم ومن حقكم أن تسمعوا وتُطيعوا، أما لمجرد هوى النفس ولمجرد أنه من العائلة غير العائلة، هذا الكلام ما أنزل الله به من سلطان، وهذا تحكُّم في مستقبل الخلق.

لذلك في هذه الحالة أقول: إنه لا مانع من الاستعانة ببعض ولاة الأمور هناك من مشايخ المسلمين من أئمة المساجد أو الدعاة، وأن تعرضوا الأمر عليهم، وأن يأتوا لوالدك ليبينوا له أن هذا التحكم ليس له مبرر وليس له وجه، وأنك بذلك تُسقط حقك الشرعي في الولاية، لأنك بذلك تعضل وتمنع وتحرم الناس من حقٍّ أعطاه الله تبارك وتعالى لهم، خاصة هذه البنت المسكينة التي تقدَّم بها السن، أو هذا الشاب الذي يريد أن يُعفَّ نفسه في بلاد الفتنة وفي بلاد الرذيلة وفي بلاد الفواحش المتناثرة في الطرقات.

أسأل الله أن يشرح صدر والدكم لقبول الحق، وأن يرزقكم الصبر عليه، وأن يعينكم على إقناعه، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً