الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الهدي النبوي في الكلام والجلوس

السؤال

كيف كان يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم في المجلس مع الناس، ما هي الوضعية التي كان يتكلم بها هل كان مثلاً يتكلم مع أصحابه وهو متكئ وهم جلوس، هل كان يمد رجله في المجلس، أجيبوني إذا كنتم تعلمون؟ بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما هديه صلى الله عليه وسلم في الكلام فيستبين من قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه. وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم. رواه البخاري ومسلم.

قال ابن حجر: قوله: (لو عده العاد لأحصاه) أي لو عد كلماته أو مفرداته أو حروفه لأطاق ذلك وبلغ آخرها، والمراد بذلك المبالغة في الترتيل والتفهيم... وقوله: لم يكن يسرد الحديث كسردكم. أي يتابع الحديث استعجالاً بعضه إثر بعض لئلا يلتبس على المستمع. زاد الإسماعيلي من رواية ابن المبارك عن يونس: إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاً، فهما تفهمه القلوب. انتهى.

وأما هيئة جلسة النبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد فيها عدة أحاديث، منها:

- حديث قيلة بنت مخرمة: أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق. رواه أبو داود وحسنه الألباني.

وقال العظيم آبادي في عون المعبود: قال الخطابي: هو جلسة المحتبي، وليس هو المحتبي بثوبه ولكنه الذي يحتبي بيديه.

وفي القاموس: القرفصاء أن يجلس على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه، أو يجلس على ركبتيه منكباً ويلصق بطنه بفخذيه ويتأبط كفيه... والمتخشع: أي الخاشع الخاضع المتواضع. انتهى.

- ومنها حديث عبد الله بن زيد: أنه رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى، قال سعيد بن المسيب: كان عمر وعثمان يفعلان ذلك. رواه الشيخان.

ولكن روى جابر ما يعارضه، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره. أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

قال ابن حجر في الفتح: قال الخطابي: فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة، والجواز حيث يؤمن ذلك، قلت: الثاني أولى من ادعاء النسخ، لأنه لا يثبت بالاحتمال، وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين، وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ... والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز، وكان ذلك في وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه وسلم، قال الخطابي: وفيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة. انتهى.

ومنها حديث أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيده. رواه أبو داود وصححه الألباني.

قال العظيم آبادي: احتبى بيده زاد البزار: ونصب ركبتيه أي جمع ساقيه إلى بطنه مع ظهره بيديه عوضاً عن جمعهما بثوب، فالاحتباء باليدين غير منهي عنه إلا إذا كان ينتظر الصلاة. انتهى.

وهذه الأحاديث الثلاثة بوب عليها الترمذي في كتاب الشمائل المحمدية: باب ما جاء في جلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: باب ما جاء في تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأسند فيه أحاديث منها:

عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على وسادة على يساره، ورواه الترمذي وأبو داود في سننيهما، وصححه الألباني.

ومنها عن أبي بكرة الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أحدثكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، قال: وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً، قال: وشهادة الزور أو قول الزور. وهذا متفق عليه.

ومنها عن أبي جحيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئاً. رواه البخاري. ومما روي في هيئة جلسته صلى الله عليه وسلم ما رواه أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل فكلمه لم يصرف وجهه عنه حتى يكون هو الذي ينصرف، وإذا صافحة لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزعها، ولم ير متقدما بركبتيه جليساً له قط. أخرجه أحمد وابن ماجه، وضعفه الألباني إلا جملة المصافحة، قال السندي: قوله (ولم ير) على بناء المفعول (جليسا له) مفعول متقدما أي لم يقدم في المجلس ركبته على ركبة جليسه، والحديث مسوق لأخلاقه الكريمة، وفي الزوائد: مدار الحديث على زيد العمي وهو ضعيف. انتهى.

ومن ذلك ما رواه جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء. أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود واللفظ له.

قال العظيم آبادي: تربع في مجلسه: أي جلس مربعاً واستمر عليه. انتهى.

وقال جابر بن سمرة أيضاً: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متكئاً على مرفقه. رواه أحمد.

وهناك هيئات نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما رواه الشريد بن سويد، قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا -وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكات على ألية يدي- فقال: أتقعد قعدة المغضوب عليهم. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.

ومن ذلك ما رواه بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد بين الظل والشمس. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وأما مد الرجل أمام الناس فلم نر فيه حديثاً صحيحاً، وقد كثر في كلام أهل العلم قولهم بجرحة من يمد رجله عند الناس، وقال النووي في المجموع: يجوز القعود متربعاً ومفترشاً ومتوركاً... ومد الرجل، ولا كراهة في شيء من ذلك إذا لم يكشف عورته ولم يمد رجله بحضرة الناس، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحية على ذلك.. انتهى.

وذكر بعض الأحاديث التي ذكرنا سابقاً، وقد روى الترمذي في السنن: أنه صلى الله عليه وسلم لم ير مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له. وهذا الحديث ضعفه الألباني وقد ذكر الملا علي قارئ والمباركفوري في شرح هذا الحديث: أنه ما كان يقدم ركبتيه على ركبتي جليسه كما يفعل الجبابرة، وقيل: أراد بالركبتين الرجلين وتقديمهما مدهما وبسطهما...

وراجع للفائدة فصل في احترام الجليس وإكرام الصديق والمكافأة على المعروف في كتاب الآداب الشرعية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني