الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أكاذيب نسبت زورا إلي علي بن أبي طالب رضي الله عنه

السؤال

لقد حدثنا المؤرخون والمحدثون أن ( الإمام علي ) عليه السلام في آخر يوم من حياته الكريمة، حينما كان على فراش الموت والشهادة، حضر عنده جماعة من أصحابه لعيادته، وكان ممن حضر صعصة بن صوحان، وكان خطيبا بارعا، ومتكلما لامعا، وهو من الرواة الثقات حتى عند أصحاب الصحاح الستة وأصحاب المسانيد. في ذلك اليوم سأل صعصعة الإمام عليا عليه السلام قائلا:
يا أمير المؤمنين ! أخبرني أنت أفضل أم آدم عليه السلام ؟
فقال الإمام عليه السلام: يا صعصعة ! تزكية المرء نفسه قبيح، ولولا قول الله عز وجل: ( وأما بنعمة ربك فحدث ) ما أجبت.
يا صعصعة ! أنا أفضل من آدم، لأن الله تعالى أباح لآدم كل الطيبات المتوفرة في الجنة ونهاه عن أكل الحنطة فحسب، ولكنه عصى ربه وأكل منها ! وأنا لم يمنعني ربي من الطيبات، وما نهاني عن أكل الحنطة فأعرضت عنها رغبة وطوعا.
فقال صعصعة: أنت أفضل أم نوح ؟
فقال عليه السلام: أنا أفضل من نوح، لأنه تحمل ما تحمل من قومه، ولما رأى منهم العناد دعا عليهم وما صبر على أذاهم، فقال: ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ). ولكني بعد حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تحملت أذى قومي وعنادهم، فظلموني كثيرا، فصبرت وما دعوت عليهم.
فقال صعصعة: أنت أفضل أم إبراهيم ؟
فقال عليه السلام: أنا أفضل، لأن إبراهيم قال: (رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ).
ولكني قلت وأقول: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا.
قال صعصعة: أنت أفضل أم موسى ؟
قال علي: أنا أفضل من موسى لأن الله تعالى لما أمره أن يذهب إلى فرعون ويبلغه رسالته ( قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ).
ولكني حين أمرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل حتى أبلغ أهل مكة المشركين سورة براءة، وأنا قاتل كثير من رجالهم وأعيانهم ! مع ذلك أسرعت غير مكترث، وذهبت وحدي بلا خوف ولا وجل، فوقفت في جمعهم رافعا صوتي، وتلوت آيات من سورة براءة، وهم يسمعون !!
قال صعصة: أنت أفضل أم عيسى ؟
قال عليه السلام: أنا أفضل، لأن مريم بنت عمران لما أرادت أن تضع عيسى، كانت في البيت المقدس، جاءها النداء يا مريم اخرجي من البيت !
هاهنا محل عبادة لا محل ولادة، فخرجت ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ).
ولكن أمي فاطمة بنت أسد لما قرب مولدي جاءت إلى بيت الله الحرام والتجأت إلى الكعبة، وسألت ربها أن يسهل عليها الولادة، فانشق لها جدار البيت الحرام، وسمعت النداء: يا فاطمة ادخلي ! فدخلت ورد الجدار على حاله فولدتني في حرم الله وبيته.
اللهم صل على محمد وآل محمد، فيرجى من سيادتكم إفادتي بصحة هذا الاميل
وصلني هذا الاميل وحين كنت أقرأه وأنا أستغفر ربي وأخشى أني أخذت إثما لما قرأته.
وسألت نفسي:
هل الله لا يعرف أن يختار الأنبياء؟ والعياذ بالله..
هل الإمام علي ليس إنسانا فإذا كان إنسانا هل هو معصوم من الخطأ؟
فإذا كان أحسن الخلق فهل يأتي رسولنا الكريم في المرتبة الثانية وهو جده وهو الذي علمه الإسلام ؟
وهل كفار قريش أشد من فرعون وقومه الذين كانوا يعبدونه من دون الله وسيدنا موسى ليس له سند من البشر إلا السحرة الذين آمنوا وهم كذالك مهددون بالقتل لأنهم آمنوا ?

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن هذا الخبر باطل لا يشك في كونه مكذوبا على علي رضي الله عنه، ويدل لبطلانه مخالفته لما أجمعت عليه الأمة من فضل الأنبياء على غيرهم، وهذا الإجماع نقله شيخ الإسلام في المنهاج وابن عابدين في حاشيته، والطحاوي وغيرهم.

وصعصعة بن صوحان ثقة عند أكثر المحدثين ولكنه لم يرو له أصحاب الصحاح كلهم، وإنما روى له أبو داود والنسائي كما ذكره ابن حجر في التهذيب، فتوثيق صعصعة لا يكفي في ثبوت الأثر بل لا بد من معرفة حال من روى عنه المؤرخون، ثم إنه قد تعارض ما في الأثر المزعوم مع ما ثبت عن علي رضي الله عنه من إقراره بنفي الأفضلية عن نفسه وإثباتها لبعض الصحابة مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد روى الإمام أحمد وأبو يعلى بسند صحيح عن علي رضي الله عنه أنه قال وهو على المنبر: من خير هذه الأمة بعد نبيها فقيل له أنت يا أمير المؤمنين قال: لا، خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. روى هذا عنه عدة ثقات من أصحابه أنه كان يقول هذا في خطبته أيام خلافته.

وفي صحيح البخاري عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر، قلت: ثم من قال: ثم عمر....

وراجع في فضل علي والخلفاء الراشدين الفتاوى التالية أرقامها: 32129، 34055، 39110، 108703، وأما ما ذكرته من سؤالك لنفسك ففي العبارة سوء أدب مع الله تعالى، وإن كان ظهر لنا أنك حدثت نفسك بذلك منكرا على ما ورد في هذا الخبر الباطل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني