الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بالتفاهم والتغاضي عن الهفوات يجتمع شمل الأسرة

السؤال

سؤالي يتلخص في أن أبي قد هجر المنزل وتركنا مع أمنا وذلك بسبب الخلافات التي بينهم, وكان ذلك منذ أسبوع مضى وسبب تلك الخلافات أن أبي ما زال يذكر أمي بخلافات قد مضى عليها أكثر من 23 سنة من عمرنا قبل أن نولد نحن وحتى بعد أن ولدنا, وهناك سبب آخر وهما يتحدثان عنه خفية عنا وهو أن أبي رغم تجاوزه 55 عاماً إلا أنه ما زال يريد متطلبات الزوجية في الفراش ويطلب من أمي أن تكون مثل عروس جديدة, ولا ألقي اللوم في تلك الخلافات على والدي فقط بل تشاركه أمي في تلك الخلافات، ولكن أعاتبه على أنه ما زال يذكر خلافات قد مضت عليها سنوات ولا يغفر لها خطاياها رغم أنه قد أخطأ في حقها كثيراً ولم أسمعها تذكره بما أخطأ في حقها, حتى قد ظننت أنه لم يخطئ في حقها قط، ولكن من منا لا يخطئ فنحن بشر... ولكن سؤالي هو: هل تذهب لمصالحته؟ رغم أنها لم تخطئ فى حقه فهو من ترك المنزل وإحقاقا للحق فكل خلاف بينهما يترك هو المنزل وتذهب هي لإعادته مرة أخرى وتعتذر له رغم أنه لا يعترف بأخطائه أبداً, ويهدد بالزواج من أخرى, فى مثل سننا نحن البنات، ولا أنكر أن قد ساءت معاملتنا له بسبب تصرفاته هو لا يرد غيبتنا أمام الناس ولا يدافع عنا إذا أخطأنا بل يقف مع من أخطأنا في حقه سواء أكان ذلك صحيحا أم لا، ولكن لا أنكر أنه أب جيد في النهاية ويتميز بصفات كثيرة جيدة نحمد الله عليها، ولكن وقت غضبه يتركنا بلا مال ولا يريد أن يصرف علينا ويقول: إننا كبرنا ونعتمد على أنفسنا والحمد لله نحن قادرون على ذلك لكن متطلبات الحياة كثيرة؟ وفي النهاية جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالعلاقة بين الزوجين ينبغي أن تقوم على المعاشرة بالمعروف، قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... استوصوا بالنساء خيراً. صحيح البخاري ومسلم.

والمشروع عند حدوث الخلاف بين الزوجين أن يبدأ الرجل بمحاولة الإصلاح، كما أرشدنا الله بقوله: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا* وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:34-35}، وعليه فما فعله أبوك من هجر المنزل -إن لم يكن له مسوغ شرعي فهو غير صحيح- كما أن التذكير بخلافات قد مضت منذ سنين هو أمر غير مفيد، فينبغي لأبيكم تجنبه، وأما ما يتعلق بحقه في معاشرة زوجته فهو محق فيه، فإن من أوجب الواجبات على الزوجة تجاه زوجها طاعته في الاستمتاع بها متى أراد ما لم يكن لها عذر.

وأما مسامحة أمك لأخطاء زوجها وعدم ذكرها له فهو من كريم الخصال ومن محاسن الأخلاق، وكذلك ذهابها إليه لمصالحته وإرضائه فهو من العفو الذي يحبه الله ويزيد صاحبه عزاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .. وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً.

ونحن ننصحها بالاستمرار في ذلك طالما أنه يفيد في الأمر تفادياً لهدم الأسرة وتشتتها، وأما ما يتعلق بمعاملتكم لأبيكم فمهما كان من سوء خلقه وظلمه لكم أو لأمكم فإن ذلك لا يسقط حقه علكيم في البر وعدم جواز مقاطعته أو الإساءة إليه، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14-15}، فالواجب عليكم بر والديكم وطاعتهما في غير معصية، والإحسان إليهما وإسداء النصح لهما بالمعروف مع مراعاة الطريقة اللائقة بمخاطبة الوالدين، من التوقير والرفق وخفض الجناح مع كثرة الدعاء لهما، علماً بأنه لا تجب عليه نفقتكم -أبنائه وبناته- ما دمتم في غنى عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني