الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم من عليه رمضانات كثيرة لم يصمها

السؤال

شخص عاش في الغرب منذ الطفولة ويعلم أنه مسلم ويعلم أركان الإسلام ولكنه لم يرشده أحد على أهمية الصلاة ولا الصيام ونشأ كالغربيين وعاش كذلك إلى الخامسة والعشرين من عمره عندما تعرف على دينه لأول مرة وهداه الله وتاب وهو الآن في الأربعين من العمر ويعيش حياته تائبا ومتدينا. سؤالي هو هل يقضي ما فاته من صيام؟ وكيف يقضيه؟ علماً بأنه يصلي النوافل لقضاء ما فاته من صلاة ولكنه لا يعلم عن وجوب قضاء الصيام. وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحمد لله أن هدى هذا الرجل لتفاصيل الدين، ونسألُ الله لنا وله الثبات علي الحق، وأما ما يفعله وفقه الله من الإكثارِ من النوافل لتعويضِ ما فاته من صلوات فهذا اختيارُ شيخ الإسلام ابن تيمية، والجمهورُ يلزمونه بالقضاء، وليس المقامُ مقامَ ذكر الأدلة ومناقشتها، إذِ السؤال ليس بصدد هذه المسألة، وأما عن موضوع السؤال وهو الرمضانات التي فاتته وأفطرها متعمداً، فالواجبُ عليه مع التوبة حسابُ جميع هذه الرمضانات من يومِ بلوغه إلي أن منّ الله عليه بالهداية، ثم قضاء جميع الأيام التي أفطرها حسب طاقته فإن الله لا يكلفُ نفساً إلا وسعها، واللازمُ له القضاء فقط ولا تلزمه الكفارة وهذا مذهبُ الشافعي وأحمد، قال النووي في شرح المهذب: فَرْعٌ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عُدْوَانًا: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ بَدَلَهُ وَإِمْسَاكَ بَقِيَّةِ النَّهَارِ، وَإِذَا قَضَى يَوْمًا كَفَاهُ عَنْ الصَّوْمِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الْعَبْدَرِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً.... وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فِيهِ وَالْفِدْيَةُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ فِي الْعَادَةِ كَالْعَجِينِ وَبَلْعِ حَصَاةٍ وَنَوَاةٍ وَلُؤْلُؤَةٍ يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَكَذَا إنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ اسْتَمْنَى فَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ الْعُظْمَى فِي كُلِّ فِطْرٍ لِمَعْصِيَةٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. انتهى بتصرف.

وكذلك لا تلزمه الكفارة المترتبة على الجماع إذا كان يجهل حرمة ذلك،.

فإن قال قائل إن بعضَ العلماء يُفتي بعدم لزوم القضاء لمن أفطرَ متعمداً، ويستأنس بما يذكرُ عن أبي هريرة يرفعه: من أفطر يوماً من رمضان بغير عذرٍ لم يقض عنه صيام الدهر، قلنا هذا القولُ اجتهادٌ من قائله ولكنه فيما نري خلافُ الأدلة الصحيحة، فقد روى الترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن استقاء عمدا فليقض. وصححه الألباني. وأيضاً فقد روى أبو داود أن النبي صلي الله عليه وسلم أمرَ المجامع في نهار رمضان بأن يقضي يوماً مكانه. صححه الألباني، فهذه الأحاديث المذكورة مع قول جماهير العلماء بما دلت عليه كافيةٌ في الدلالة علي ما رجحناه من لزومِ القضاء لمن أفطر متعمداً، لا فرق في ذلك بين من لم ينو الصوم أصلاً، وبين من أفسد اليوم بعد أن شرع في صيامه، فإن قيل: في هذا مشقة والشريعة قائمة علي التيسير، قلنا: إنما أمرناه بالقضاء حسب الطاقة، وحسبُ المكلف أن يستحضر أن هذا هو ما أمره به ربه، وأنه من لوازم توبته الصحيحة فيسهلُ عليه التكليف ويخفُ جداً، وأما الأثرُ المتقدم ذكره عن أبي هريرة فضعيفٌ باتفاق المحدثين، وللمزيد انظري الفتوي رقم: 12700.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني