الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصبر على معصية الزوجة وعدم التسرع في طلاقها

السؤال

أعيش في المهجر مع زوجتي، وقبل زواجي منها بشكل رسمي بحضور الأهل قبل تسعة أشهر كنا قد كتبنا عقد النكاح منذ ست سنوات وذلك كان فقط بنية تسهيل الهجرة لها إلى هذه البلاد أي أنه كان نكاحا على الورق علما أن والداي لم يكونا على اتفاق تام معي ولم يعلما بكتابة العقد إلا بعد سنتين تقريبا ورغم رفض أمي الاستمرار في علاقتي بأسرة الفتاة إلا أنني لم أبال لذلك وظللت أعكف على زيارتهم مع العلم أني كنت قد وعدت الفتاة بالزواج منذ سن المراهقة وكانت لنا لقاءات لكن دون الوقوع في الزنا أو المحرمات ونحن الإثنان في سن الواحدة والثلاثين الآن، وخلال سنوات الانتظار للحصول على التأشيرة حدثت مشاكل لي من خلال مال اقترضه أخوها مني حيث طلبت قرضا من البنك لكي أعطيه له كدين ليقضي غرضا له والطبع أيضا دون علم أبواي بذلك وحتى أبويه كذلك، ومع تماطله في إعادة المبلغ لي قمت بإبلاغ أهله بذلك الذين أعادوا لي المال كاملا لكن أسرتي لم تستسغ الأمر وطلبوا مني الحد من كل ما يجمعني بهم في ظل ما يرونه استغلالا منهم لي، وإثر ذلك حاولت قطع الزيارات لبيتهم مع الإبقاء على عقد النكاح الصوري حتى نصل إلى هدف الاتفاق ألا وهو الهجرة، وبالفعل تم ذلك مع العلم أن الفتاة ترتدي الحجاب وقامت بنزعه في السفارة بإيعاز من أمها خوفا من أن يكون سببا في رفض التأشيرة وكنا ما نزال حينئذ في زواج صوري، وكما سبق قبل قدومنا للمهجر تقدمت للزواج منها بعد إقناع إخوتي وأبي وأمي التي ظلت رافضة إلى آخر لحظة وافقت برضى غير تام وقمت بذلك وفاء بالعهد بالزواج لها ولأنها تتوفر على بعض الصفات الطيبة، وأنا اليوم معها تحت سقف واحد في بلاد المهجر حدثت لي مشاكل معها بسبب مصافحتها لزوج خالتها باليد والخذين رغم تنبيهي لها على ذلك، وأيضا بسبب تدخل أخيها في حياتنا الخاصة وأمها، وكنت قد طلبت منها تأخير الإنجاب حتى يستقر حالنا هنا لكنها رفضت وأقامت الدنيا لذلك فخضعت للأمر لكي لا أحرمها من حقها في الإنجاب وهي الآن حامل في الشهر الثاني، ومع مرور الوقت أحسست بندم شديد على تجاهلي آراء أمي و أسرتي كاملة وتمنيت لو عدت للماضي وأتبع نصائحهم لي، والآن لم أعد أطيق العيش معها ولا حتى الحديث مع أبويها أو أخيها، فذاكرتي ما زالت لم تنس ما قمت به وندمي شديد على ما سببته لأمي من هم وغم علما أني أطلب منها السماح عندما أحدثها وتؤكد على رضاها رغم كل ذلك، وقبل يومين أخبرت زوجتي أنني أريد الطلاق تخلصا من قلة التفاهم بيننا وحرصها مصلحة أخيها أولا قبل زوجها والدفاع عنه كلما انتقدت تصرفاته خاصة وأني أعلم أنه يلعب القمار ولا أريد أن يدخل بيتي مال حرام من خلال ما يشتريه عندما يأتي لزيارة أخته، اليوم أجد نفسي أنافقهم كلهم ولم أعد أطيق ذلك، تحدثت مع أبويها حول الطلاق وأخذوا يسألونني عن الأسباب ويؤكدون لي أنني بمرتبة ابن لهم ولا يسعون لإضراري، وأنا صرت أرى أن النية الصادقة في هذا الزواج سبقتها نية كاذبة. سؤالي هل هذا الزواج فيه شك من صحته مع العلم أنه يوم كتابة العقد كان هناك فقط كاتب عدل واحد وما هو مدون في العقد اسمان لشاهدين عدلين والمذهب في بلادنا هو المالكي؟ ثانيا هل طلبي الطلاق في ظل حملها وعدم رغبتي في العيش معها وعدم استقامة دينها ومشاكل ماضينا ظلم مني لها؟ أفيدوني جازاكم الله خيرا فصبري نفذ ولم أعد أمضي ساعة بدون تفكير، وأرجوكم الإجابة لأنه سبق لي أن أرسلت سؤالا فلم يدرج. و شكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالسؤال غير واضح ولكن إن كان المقصود أن الزواج قد تم بشهادة شاهدين عدلين، فإن كان قد تم مع ذلك حصول الإيجاب والقبول بينك وبين ولي المرأة فقد تم عقد النكاح ووقع صحيحا مستوفيا لشروطه وأركانه.

أما بخصوص طلاق هذه المرأة فلا ننصحك به وإنما ننصحك بإمساكها ومحاولة استصلاحها وردها عما تفعله من معاص مثل التي ذكرت من تسليمها على بعض الأجانب ومصافحتهم وتقبيلهم، فإن هي استجابت فأمسك عصمتها ولا تطلقها، فالشرع قد ندب إلى إمساك المرأة حتى مع كراهتها، فقال سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].

قال ابن العربي عند تفسيره لهذه الآية: المعنى إن وجد الرجل في زوجته كراهية وعنها رغبة ومنها نفرة من غير فاحشة ولا نشوز فليصبر على أذاها وقلة إنصافها فربما كان ذلك خيرا له. انتهى.

وقال ابن الجوزي في هذه الآية: وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها، ونبهت على معنيين: أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح فرب مكروه عاد محمودا ومحمود عاد مذموما، والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبا ليس فيه مكروه فليصبر على ما يكره لما يحب. انتهى.

وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى ‏الله عليه، وسلم قال: لا يَفْرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر.

وما تجده تجاهها من ضيق ونفور فهذا يمكن التغاضي عنه في مقابل المصالح المترتبة على إمساكها وأهمها مصلحة هذا الجنين الذي في أحشائها فإن من حقه أن ينشأ بين أبويه في ظل أسرة مستقرة، ومما يذكر هنا أن رجلاً جاء إلى عمر يريد أن يطلق زوجته معللاً ذلك بأنه لا يحبها، فقال له عمر: ويحك، ألم تُبْنَ البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية وأين التذمم؟، والتذمم هو الإحسان إلى من يذم بترك الإحسان إليه. وقال عمر أيضا لامرأة سألها زوجها هل تبغضه؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر: فلتكذب إحداكن ولتجمل فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام. أورده في كنز العمال.

وما ذكرناه هو الأولى والأفضل ولكن إذا ضاقت نفسك بها ولم تطق عيشا معها فيمكنك حينئذ طلاقها، ولا يعد هذا من باب الظلم إن شاء الله.

أما إذا لم تستجب لك في ترك هذه المعاصي التي ذكرتها فعليك حينئذ طلاقها فلا يستحب إمساك مثل هذه المرأة.

وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17383، 22363، 108701، 1766.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني