الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استحباب خدمة الزوجة أهل زوجها برضاها

السؤال

أتوجه إليكم بالسؤال التالي طالباً من فضيلتكم التكرم بالرد عليه بما فتح الله عليكم من العلم راجياً من الخالق جل وعلى أن يجزل لكم الثواب:
أنا أم لولدين تزوج الأول وسكن في شقة وبقيت مع زوجي وولدي الثاني في الشقة المجاورة وتزوج ولدي الثاني في نفس الشقة التي نسكن فيها بابنة عمته (شقيقة زوجي) وكانت علاقتي بالبنت وبأمها علاقة قوية جدا.
وبعد الزواج بفترة قصيرة أصبت بانزلاق غضروفي في العمود الفقري، الأمر الذي منعني من القيام بأي عمل مهما كان بسيطاً. وبعد مكوثنا مع ولدي وزوجته بسنتين تقريبا، فوجئت بان زوجة ولدي تركت البيت وذهبت إلى بيت أهلها وتطالب ببيت مستقل لها ولزوجها بدون أي سبب يستدعي ذلك خاصة وانه لا يوجد لدي سوى ولديّ المذكورين وليس لدي بنات وأنا غير قادرة على رعاية نفسي وزوجي ولم يصدر مني تجاهها أي شيء يستدعي غضبها بل كنت أعاملها كابنتي كما أني غير قادرة على فراق أولادي ولا أتحمل غيابهم عني ولو ليوم واحد.
وحاولنا معها ومع أهلها لإصلاح الأمر والعودة إلى ما كنا عليه لكننا قوبلنا بالإصرار الشديد من الجميع على أن تخرج هي وولدي لبيت آخر وأنها لا تستطيع البقاء معنا ورعايتنا وبالإمكان كوضع مؤقت أن نظل معها شهرا أنا وزوجي ثم نعيش مع ولدي الأكبر شهرا (وهكذا بالتناوب). مع العلم (أن زوجة ولدي الأكبر موظفة وعندها ثلاثة أبناء) بينما الأخرى ليست موظفة وليس لديها أبناء وكانت تقضي معظم وقتها (صباحاً مساء) في بيت أهلها لقربه من منزلنا وكنا نتحمل تقصيرها في رعايتها لنا وإهمالها لنا ولم نظهر شيئا سوى الرضى والحب وكنا نخفي ذلك عن ولدي خشية المشاكل. وقد شكل هذا التصرف منها ومن أهلها صدمة عنيفة لنا لأنه غير مبرر ولأن العلاقة بيننا كانت قوية جداً.
ولأنني غير قادرة على فراق ابني تركت لها البيت أنا وزوجي وسكنا مع ولدي الأكبر في الشقة الأخرى، وخرجت من بيتي وأنا منهارة وأبكي بكاءً شديداً وبأعلى صوتي لأني لم أكن متوقعة أنني سأتعرض في حياتي لمثل هذا الموقف. وبعدها وافق أبوها بإعادتها إلى البيت بعد خروجنا منه بشرط أن لا يدخل منا أحد عند ابنته.
وبعد فترة أظهرت هي وأهلها استياءهم لعدم دخولنا عندهم (وذلك حرجاً من الناس فقط)ولكنني بعد ما حدث لم أستطع الدخول لا عندها ولا عند أهلها وتحول حبي لها ولأمها إلى كرهٍ و أدعوا عليهما ولي على هذا الحال حوالي عشرة أشهر. وفي المقابل هناك قطيعة من قبلهم والتواصل بيننا منعدم وأنا في حالة قلق وخوف من الحرام بسبب هذه القطيعة ومما أجده في نفسي من كرهٍ لم أستطع التغلب عليه.
لذا أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء بما يتوجب علينا عمله وقاية من الوقوع في الحرام واتقاءً لغضب الله تعالى؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فينبغي التفريق - خاصة عندما يغلب الشح, ويحضر الشيطان والهوى- بين الحقوق الثابتة الواجبة شرعا, وبين ما لا يجب ولا يلزم، وإنما يجري مجرى مكارم الأخلاق ومحاسن العادات.

أما في المقام الأول وهو مقام الواجبات فإنه لا يجب على الزوجة شرعاً خدمة والدي زوجها، ولا يلزمها ذلك سواء كان الوالدان في حالة الصحة أو المرض, لكن ليس من المعاشرة بالمعروف للزوج أن يكون والداه موجودين في المنزل وكلاهما أو أحدهما مريض, أو محتاج إلى الخدمة ثم لا تقوم الزوجه بخدمتهما من إعداد الطعام لهما أو غسل ثيابهما ونحو ذلك، وإذا كان الله عز وجل قد أمر بالإحسان إلى من لم تربطه بالإنسان إلا علاقة السفر العارضة بخدمته وقضاء مصالحه، كما قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً {النساء:36}. والصاحب بالجنب هو الرفيق المسافر، أقول: إذا كان الأمر كذلك، فكيف بأبوي الزوج الذي أوجب الله طاعته وحث الشارع على حسن معاشرته وإرضائه. لا شك أنهما أولى بالإحسان إليهما والرفق بهما وخصوصاً إذا لم يكن لديهما بنات.

فإن فعلت الزوجة ذلك تطوعاً منها واحتسابا كانت مأجورة مثابة إن شاء الله تعالى، ولا حرج على الزوج في أن يطلب ذلك منها بل ولا أن يتزوجها بهذا القصد، فقد صح عن جابر رضي الله عنه أنه تزوج ثيباً، فقال له رسول الله صلى الله عليه: فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، فقال: يا رسول الله قتل أبي يوم أحد وترك تسع بنات فكرهت أن أجمع إليهن خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن، قال: أحسنت. رواه الشيخان، قال العراقي في طرح التثريب: وفيه جواز خدمة المرأة زوجها وأولاده وأخواته وعياله، وأنه لا حرج على الرجل في قصده من امرأته ذلك، وإن كان لا يجب عليها، وإنما تفعله برضاها. انتهى.

وأما طلب الزوجة لمسكن مستقل بها فهذا من حقوقها المقررة شرعا، والذي كفلته لها الشريعة الغراء, وقد سبق بيان هذا بالتفصيل في الفتاوى رقم: 5034 ، 9517 ، 4370 .

مما سبق يتبين أن هذه المرأة لم تأت بظلم ولا عدوان يجيز لك بغضها والدعاء عليها, فيكون دعاؤك عليها حينئذ من باب الإثم والقطيعة وهو حري ألا يجاب، بل وأن يكتب في ديوان السيئات, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.

ولتعلمي أن هجر المسلم عموما دون مسوغ شرعي حرام لا يجوز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.

وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني.

بل قد جاء وعيد شديد فيمن هجر أخاه سنة، فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. صححه الألباني.

جاء في فيض القدير: أي مهاجرته سنة توجب العقوبة كما أن سفك دمه يوجبها، والمراد اشتراك الهاجر والقاتل في الإثم، لا في قدره، ولا يلزم التساوي بين المشبه والمشبه به، ومذهب الشافعي أن هجر المسلم فوق ثلاث حرام إلا لمصلحة كإصلاح دين الهاجر أو المهجور أو لنحو فسقه أو بدعته. انتهى .

لذا فإنه يجب على جميع الأطراف أن يتقوا الله سبحانه، وأن يسعوا إلى إزالة أسباب النزاع والشقاق, وأن يصلحوا ذات بينهم, فقد قال سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ {الأنفال:1}, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني.

وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 80279 ، 33290 ، 113709 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني