الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عادات اجتماعية تتنافى مع الحقوق الزوجية

السؤال

يا شيخنا الفاضل في بلدنا ليبيا هناك عبء كبير يثقل كاهل المرأة المتزوجة وهو علاقتها بأهل زوجها.
جرت العادة الاجتماعية أن يتدخل أهل الزوج تحديدا أم الزوج و أخواته في خصوصيات الزوجين، وبعد مرور أقل من شهر على الزواج تبدأ المشاكل في العادة، و أسباب المشاكل الشائعة في مجتمعنا تتضمن غالبا مايلي:
1.مطالبة أهل الزوج الزوجة بمساعدتهم في أمور بيت والد الزوج، رغم سكن الزوجة في بيت مستقل عن أهل زوجها، و إن لم تفعل فإن الحرب تعلن عليها من أهل الزوج والمجتمع وتوصف بأبشع الأوصاف، ويتم اغتيابها والتشهير بها وبأهلها، واتهامها بسوء الطبع رغم أن هذا في أحيان كثيرة ظلم وغير صحيح.
2. يشيع عندنا هذا القول من قبل أهل الزوج، يجب أن تقوم الزوجة بخدمة أهل زوجها وزيادة لكي تحلل-أي تجعله حلالا - ما دفع لها من مهر.
3. أخذ بعض المتعلقات الخاصة بالزوجة، والتي أحضرها لها الزوج، كهدايا بدون علمها تحت باب أن ابنهم هو من ابتاعه ويحق لهم أخذه.
4.منع الزوجة من الطبخ في بيتها وإلزامها بالأكل يوميا مع أهل زوجها، بل البعض-وهو شائع- يمنعون الزوج من شراء حتى فرن و أنبوبة غاز لكي لا تطبخ زوجته في بيتها. وهذا من الشروط الشائعة قبل الزواج و تقبله في العادة المرأة مكرهة وخوفا من الضغط الاجتماعي.
4. بعض الرجال في مجتمعنا-هداهم الله- و هم ليسوا بالقليل يقومون بالحديث عن كل كبيرة وصغيرة تحدث بينهم وبين الزوجة للأم والأخوات بدون أية مراعاة للزوجة وخصوصيتها.
يا فضيلة الشيخ أنا لا أبريء كل الزوجات من الخطأ والظلم، فكثير من الزوجات ظالم-وهذه قصة أخرى- فكل إنسان معرض للخطأ، ولكن تزايد عدد الطلاق في مجتمعنا بسبب تدخل الأهل أمر ملحوظ ومتزايد، والخلط بين طاعة الوالدين والبر وصلة الرحم وتضييع حقوق الزوجة أمر واضح.
المعروف بين الزوجة وأهل زوجها مطلوب وأمر حسن، ولكن ليس لدرجة تضييع الحقوق.
يا فضيلة الشيخ هذه المشكلة لا تخصني شخصيا، و لكنها شائعة في مجتمعنا بشكل مخيف، وتؤدي إلى تبعات لا تحمد عقباها وموجبة لغضب الرب من ظلم وغيبة ونميمة وتشهير بالعباد بغير وجه حق.
ومن باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أريدكم أن توجهوا كلمة لأمهات الأزواج وأخواتهم فكثير منهن يطلع على موقعكم وأصلح الله حالنا جميعا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

1- فالحياة الزوجية مبنية على الاستقلال والخصوصية نظرا لما فيها من طبيعة خاصة، فليس لأي أحد من أهل الزوج أو الزوجة أن يتدخل في خصوصياتهما، ولا أن ينصب نفسه وصيا عليهما– طالما كانا بالغين راشدين – فإن هذا أوسع الأبواب للفساد، وأقصر الطرق لتفكك الأسر وذهابها، وهذا معلوم بالتجربة والمشاهدة. ومطالبة أهل الزوج للزوجة أن تخدمهم وإلا فلها العداء والتضييق ظلم وعدوان، فإن المرأة لا يجب عليها إلا خدمة زوجها وبيتها، ولا تطالب بما وراء ذلك من خدمة أهله بل ولا والديه، إلا أن تفعل ذلك تطوعا عن طيب نفس منها، ويستحب لها ذلك حسب طاقتها وقدرتها؛ لأن هذا من باب الإحسان للزوج وإكرامه ولكنه لا يجب عليها بحال. فقد صح عن جابر رضي الله عنه أنه تزوج ثيباً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، فقال: يا رسول الله قتل أبي يوم أحد وترك تسع بنات فكرهت أن أجمع إليهن خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن، قال: أحسنت. رواه الشيخان. قال العراقي في طرح التثريب: وفيه جواز خدمة المرأة زوجها وأولاده وأخواته وعياله، وأنه لا حرج على الرجل في قصده من امرأته ذلك، وإن كان لا يجب عليها، وإنما تفعله برضاها. انتهى.

2- وقولهم إن خدمة أهل الزوج لا بد منها حتى يكون المهر حلالا، افتراء على الله وكذب عليه، والله سبحانه يقول: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ {النحل : 116}.

فإن الله جلت حكمته قد جعل المهر والصداق عطية واجبة منه سبحانه للمرأة، لا علاقة له بخدمة أهله لا من قريب ولا من بعيد، فقال سبحانه: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً {النساء : 4} ومعنى نحلة أي فريضة. جاء في تفسير الألوسي: أي أعطوهن مهورهنّ حال كونها فريضة من الله تعالى لهنّ. انتهى.

3- وأما ما يأخذه أهل الزوج من متعلقات الزوجة التي وهبها لها زوجها، فهو حرام وهو من أكل أموال الناس بالباطل، وهذه هي السرقة بعينها إن أخذت بغير علمها، وإلا فهو غصب وكلاهما حرام. وقولهم إن لهم الحق في ذلك لأن ابنهم هو الذي اشترى هذه الأشياء تلبيس من إبليس، فإن هذه الأشياء قد دخلت في ملك الزوجة بقبضها، ولا يملك زوجها نفسه أن يأخذها منها.

4- وأما ما يكون من منع الزوجة من الأكل في بيتها وإكراهها على الأكل في بيت أهل زوجها فلا يجوز؛ لأن فيه من الحرج ما فيه، ولا شك أن الزوجة لها حقها في الحياة المستقرة المستقلة والتمتع بمرافقها الخاصة داخل بيت زوجها، ولكن طالما أنك قد وافقت على هذا الشرط فإن عليك حينئذ الوفاء به، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. وقد نص بعض العلماء على أنه يلزم الوفاء بالشرط المشروع ولو ترتب عليه ضرر. جاء في شرح أخصر المختصرات لابن جبرين:...... فلذلك يرى بعض العلماء أن عليه الوفاء بهذا الشرط، وألا يتزوج عليها، ولو تضرر. انتهى. ولكن يمكنك أن تراجعي زوجك في هذا الشرط وأن تظهري له تضررك منه، وأنه لا يجوز الضرر في دين الله، وأن تطلبي منه أن يقيلك من هذا الشرط، مع الدعاء والاستعانة بالله جل وعلا، وسيجعل الله سبحانه بعد عسر يسرا.

5- أما ما يقوم به هؤلاء الأزواج من إفشاء أسرار زوجاتهم فغير جائز، فلا يجوز للزوج أن يفشي أسرار زوجته لأي أحد، لأن إفشاء السر خيانة للأمانة، وإذا ترتب عليه ضرر فهو حرام، قال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر. انتهى. قال الغزالي في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار. انتهى.

وأما إفشاء أسرار الفراش وما يكون بين الرجل وأهله فهذا حرام بلا خلاف، بل جاء في الحديث الصحيح تشبيه من يفعل هذا بالشيطان.

6- وأما نصيحتنا إلى الأزواج الذين يخلطون بين صلة الرحم وبر والوالدين من جهة وحقوق الزوجة والبيت من ناحية أخرى فنقول لهم : ينبغي أن يوفى كل ذي حق حقه، فإن الإسلام قد كفل للوالدين والأرحام حقوقا يحرم تضييعها، وكفل للزوجة أيضا حقوقا يجب على الزوج الوفاء بها.

و كثيرا ما ينشأ بين الزوجة وأهل زوجها شيء من الغيرة، فيظن أهل الزوج أن الزوجة قد أخذت ابنهم منهم، وتظن الزوجة أن الزوج يميل إلى أهله ويفضلهم عليها، فتنشأ حالة من التنافر بينهم. والزوج له دور كبير في معالجة مثل هذه الأمور. فعليه أولا بالتوازن في العلاقة بين زوجته وأهله، فحق الأهل على الزوج البر والصلة، والمعاملة الكريمة، والنفقة على الوالدين إن كان للولد مال ، وكان الوالدان في حاجة، وأن يصل أقاربه بالعطاء من الصدقة والزكوات إن كانوا من الفقراء.

وحق الزوجة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف، وأن يوفر لها حياة هادئة بعيدة عن المنغصات، ومن ذلك أن يكون لها سكن مستقل تأمن فيه على نفسها وشؤونها، ولا يتدخل أحد في خصوصيات حياتها، ولا يجوز لأحد من الطرفين أن يبغي على حق صاحبه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني