الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهل زوجها يصفونها وابنتها بالقبح وهو لا يحرك ساكنا

السؤال

تزوجت و كانت علاقتي بأهل زوجي جيدة، فأنا من النوع الهادئ، قليلة الكلام، ومن طبعي أن لا أوجه أي إساءة، أنا حسنة المظهر وبجمال عادي، ولكن والدة زوجي كانت دائما تخبر زوجي بأن زوجتك ليست جميلة ودائما تحاول أن تبشع صورتي أمامه وحتى بوجودي، وعندما أنجبت طفلة أصبحوا يكررون دائما بأن الطفلة ليست جميلة تشبه أمها أمامي وأمام زوجي وأمام أي شخص، حتى من يقول عنها إنها جميلة يشنون حربا عليه، لأن الجمال فقط مقصور عليهم: زوجي وإخوته وأخواته وأمه وأولاد أخواته، فلا يطيب لهم أن يمدحني أحد أنا وابنتي، حتى أن زوجي لم يقل يوما إن ابنته جميلة خوفا من غضب والدته، وأثر ذلك كثيرا على حياتي مع زوجي الذي لا يتكلم معي سوى بالكلام الجاف والجارح دون أي احترام لمشاعري ولا يعتبر أنه يسيء ، كنت أغضب أحيانا من كلام أهل زوجي فأنقطع عنهم 3 أو 4 أيام ثم أعاود زيارتهم كأن شيئا لم يكن، علما أنني لم أظهر يوما لهم غضبي، ولكن في كل زيارة يعاودون الفكرة: بنتك ليست جميلة، عيونها كذا، أنفها كذا ... ، بالإضافة لأنهم يدعون عليها: ياليتك تموتين، ألله ياليت عمرك قصير ....
أخبرت زوجي بأن ذلك يجرحني كثيرا ويحزنني ويغضبني، و لكنه ابتدأ برمي التهم علي بأنني: أفتري على أهله، وأقطعه من أهله، بالإضافة لتهم أخرى كانو يتهمونني بها، ويأتي هو ويقول: رأيتك فعلت كذا، ويحلف بالحرام وبالطلاق أنه رآني، وهو والله العظيم كله افتراء من أهله ، ويعتبر هذا هو بر الوالدين، وصلة الرحم، انقطعت عنهم فترة لكثرة إساءتهم، فجعل حياتنا جحيما لغضبه ، لأن أهله لا يريحهم أن أنقطع عنهم، علما أنهم لا يحبونني ولكن من باب التحكم، فأصبح يذلني دائما، والله أريد أن أحرق قلبك، لا ينظر إلي، يتجاهلني، يشتم ويسيء ، لا ينام في غرفة النوم ، ينام في فراش منفصل حتى لو كنا في نفس الغرفة و يدعي أنه نام وهو يشاهد التلفاز، علما أنه لم ينقطع عن المعاشرة، عدت لزيارة أهله على أمل أن ينتهي الذل الذي أعيشه ، فلم يتحسن حالي ، علما أنني أحاول بكل جهدي، التزين ولا يعجبه، يقبح دائما فلم يترك نقطة من جسدي إلا انتقدها .... ما حقي عند زوجي ؟
هل خدمة أهله و صلتهم واجبة علي، علما أنهم في كل زيارة يسيئون إلي و يقبحونني و يقبحون ابنتي أمامي وأمام زوجي حتى دبت الخلافات بيننا، علما أن انقطاعي عنهم لتقليل المشاكل ؟
هل يحق لزوجي أن يعطي من رواتبنا لأهله بكثرة علما بأن راتبه لا يكفي للإنفاق على البيت وأنا موظفة، فأنا أنفق على البيت وهو يقتر ويعطي لأهله علما أنهم ميسورين...

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما يصنعه أهل زوجك من الذم والتقبيح لك ولابنتك ولمزكما بالدمامة وقلة الجمال هو من الأمورالمحرمة لأنه إيذاء، وإيذاء المسلم حرام بكل صوره وبجميع أشكاله, وقد توعد الله من فعل هذا بالويل والثبور فقال سبحانه: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ {الهمزة: 1}.

جاء في تفسير ابن كثير: قال ابن عباس: { هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } طعان معياب. وقال الربيع بن أنس: الهُمَزة، يهمزه في وجه، واللمزة من خلفه, وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعنُ عليهم انتهى.

وقد جاءت النصوص بحرمة تقبيح الإنسان في هيئته وخلقته ونهت عن ذلك، لأن الإنسان ليس له من أمر الخلق والتصوير شيء إنما الله هو الخالق المصور، فذم الصنعة وتقبيحها هو في الحقيقة ذم للصانع جل في علاه – نعوذ بالله من ذلك - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: و لا تقبح الوجه. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.

جاء في عون المعبود: ولا تقبح الوجه: بتشديد الموحدة، أي لا تقل: إنه قبيح، أو لا تقل: قبح الله وجهك أي ذاتك فلا تنسبه ولا شيئا من بدنها إلى القبح الذي هو ضد الحسن لأن الله تعالى صور وجهها وجسمها وأحسن كل شيء خلقه، وذم الصنعة يعود إلى مذمة الصانع. انتهى.

وكذا فإن دعاءهم على هذه البنت الصغيرة محض الإثم والعدوان والقطيعة، ومخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم .. رواه مسلم عن عبادة بن الصامت.

وأبشري فلن يستجاب دعاؤهم هذا – إن شاء الله – فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.

وقد أساء زوجك عندما أقرهم على أفعالهم، سواء بالمعاونة، أو بالتزام الصمت، لأن السكوت كهيئة التقرير للفعل والرضا عنه, وكان عليه أن يأمرهم بتقوى الله، وأن يكفهم عن إيذائهم لك ولابنتك، فهذا من حقوقكما عليه.

وأما ما يكون من زوجك من إساءة لك وتعد عليك فهذا كله غير جائز، وهو من باب المخالفة الصريحة لأمر الله سبحانه حيث قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}, ومن المعاشرة بالمعروف أن يلين الرجل لزوجته الجانب، وأن يخفض لها الجناح، وأن يطيب لها الكلام، وأن يتجنب ما عساه أن يؤذيها ويحزنها ويكسر قلبها.

قال ابن كثير في تفسيره للآية السابقة: أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. انتهى

وأما حلفه بالطلاق والحرام فهذا غير جائز، وهومن أيمان الفسّاق لقوله صلى الله عليه وسلم: فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه.

وقد قال بعض أهل العلم: إن من كثر حلفه بالطلاق والحرام ترد شهادته ويحكم بفسقه.

فإن كان قد تكرر حلفه بذلك ثلاث مرات وحنث فيهن فهنا يجب عرض الأمر على أهل العلم أو المحكمة الشرعية حتى تنظر في هذا الأمر وتستجلي قصده ونيته من ذلك، وتحكم على إثر هذا ببقاء عقدة النكاح أو انفصام عرى الزوجية.

أما خدمة أهل زوجك فلا تجب عليك، إنما الواجب عليك هو خدمة زوجك فقط إلا أن تتبرعي بخدمتهم وتبذليها عن طيب نفس منك, ولا يحق لزوجك أن يطلب هذا منك إلا على سبيل الندب والحث لا على سبيل الإيجاب والحتم.

وأما صلتهم فإنهم على كل حال ليسوا من أرحامك الذين تجب لهم الصلة، ولكن لهم بلا شك حقوقهم كحقوق عموم المسلمين بعضهم على بعض, ولهم زيادة على ذلك حق المصاهرة وكونهم أرحام زوجك، ولا شك أن إكرامهم إكرام له وبرّهم برٌ به، فننصحك بالعفو عنهم والصبر على أذاهم، فإن هذا من عزم الأمور، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} . وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}.

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.

ولكن إن لم ينتهوا عن فعلهم ولحقك من جراء هذا من الضرر والأذى ما لا تطيقينه ولا تصبرين عليه, فإنه يجوز لك حينئذ هجرهم بالقدر الذي يدفع عنك شرورهم وأذاهم.

قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت ‏مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب ‏هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

أما ما يعطيه زوجك لهم من ماله فهذا محض حقه، ولا يجوز لك أن تعترضي عليه ما دام أنه لم يقصر في نفقتك ولم ينقصك شيئا من حقك .

وأما مالك وراتبك فهو لك لا يجب عليك أن تنفقي منه شيئا على البيت قليلا كان أو كثيرا إلا أن تفعلي ذلك على جهة التبرع، فإن نفقة البيت تجب على الزوج وهو وحده الذي يطالب بها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني