الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تجتهد في طاعة زوجها فلا يثيبها بل يثور عليها كثيرا

السؤال

أنا زوجة وأم لثلاثة أولاد، وأعمل ومطيعة لزوجي والحمدلله، وهو راض عني، فأنا أخدمه و أتبعل إليه كالجارية، ولا أتوانى في تلبيته حتى ما هو فوق احتمالي، كذلك أنا أحبه كثيرا، وأعلم أنه يحبني، وهو رجل صالح لكنه عصبي، وقد تعودت على ذلك، المشكلة أنني لا أسمع منه أي شيء يرضيني، لا يثني علي ولا حتى هدية، ولو وردة، إنما هى الأوامر فقط، وإن أخطأت أو نسيت فعقابى شديد من التوبيخ، وأنا لا أعترض على هذا، ولكن لماذا لا يكون هناك ثواب على التفاني والطاعة العمياء، كذلك أحيانا أشعر أنني أنا التي فعلت ذلك بخضوعى إليه وعدم اعتراضي، لكني منذ تزوجته أراقب الله فيه، وأبتغي الجنة بطاعته أنا أشعر أنني كالأرض التي تنتظر قطرة ماء لترويها، ولكنها لا تأتي أنا خائفة أن تأتي لحظة انفجار وهو لن يقبل ذلك، فلم يتعود مني سوى الخضوع، أنا أعلم أنني يجب أن أؤدي ماعلي، وأسأل الله ما لي لكني بشر، وخصوصا أن كل السيدات حولي على عكسي تماما، يعلو صوتهن على أزواجهن أمامي وأمام زوجي وكل الناس، ولا يطيعونهم في صغيرة ولا كبيرة، ومع ذلك فأزواجهن يقدرونهن ويجزلون لهن العطاء في كل شيء. أحيانا أشعر أن هؤلاء النسوة على صواب، ولكن كيف وديننا يشدد على أن دخول المرأة الجنة متوقف على رضى زوجها. أنا أجاهد لذلك لكني حزينة ومحبطة. ماذا أفعل؟ أفيدوني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أيتها السائلة أن الابتلاء والاختبار من أعظم حكم خلق الإنسان ليتميز الصادق من الكاذب والخبيث من الطيب، قال سبحانه: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان : 2 ، 3}

والابتلاء يتنوع في هذه الدار الدنيا، فمن الناس من يبتلى بالغنى، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من يبتلى بالصحة، ومنهم من يبتلى بالمرض، وهكذا .

وقد ذكرت في حديثك أن زوجك رجل صالح، وهذه نعمة من أعظم نعم الله عليك وعلى أولادك، فإن صلاح رب الأسرة صلاح للأسرة جميعا، كما أن في فساده ضياعا للأسرة جميعا إلا ما شاء الله.

أما ما يكون منه من هنات تتمثل في سرعة غضبه وانفعاله وردود أفعاله العنيفة، فهذا مما يمكن تحمله والصبر عليه ابتغاء رضوان الله، وطلبا لثوابه وجنته، وقد روى الإمام أحمد عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

فماذا يضيرك لو صبرت هذه الأيام القلائل مقابل الفوز بنعيم الجنة الذي لا يفنى ولا يبيد ورضوان من الله أكبر، ففي المسند وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت.

وكلامنا هذا لا يعني عدم النصيحة له أو ترك محاولة استصلاحه واستنقاذه من داء الغضب الوبيل كلا، بل ينبغي لك، ومن حقه عليك أيضا أن تنصحي له بأسلوب رفيق رقيق لا تشوبه شائبة تسلط ولا عنف، وأن تذكريه بحقك عليه، وما أمره الله به من معاشرة زوجه بالمعروف، وقد سبق بيان معنى المعاشرة بالمعروف في الفتوى رقم: 116273.

ثم ذكريه دائما بسيرة رسولنا الكريم، وكيف كانت أحواله مع نسائه وهو القائل: خيركم خيركم لأهله، و أنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.

فقد كان صلى الله عليه وسلم يحسن إليهن غاية الإحسان، ويصبر عليهن، ويقيل عثراتهن مع ما كان يصدر منهن من هنات في بعض الأوقات كمراجعته بل وهجره أحيانا، وكان صلى الله عليه وسلم يقابل هذا كله بالحلم والصفح، بل لا يزيده ذلك إلا حلما وعفوا، وراجعي في ذلك الفتاوى رقم: 69672، 46907، 34925.

ويمكنك أن تقترحي على زوجك أن يعرض نفسه على طبيب نفسي مسلم متدين، فأحيانا ما يكون هناك أسباب مرضية أو اختلالات هرمونية وراء هذه الانفعالات الشديدة، وقد جربت الأدوية الكيميائية في علاج ذلك فكان لها أثر كبير بفضل الله وتوفيقه، فإذا رفض فأمامك الكتب المتعلقة بعلاقات الزوجين يمكنك إهداؤها له أو اكتبي أنت له رسالة تذكرين منها حاجتك إلى كلمة طيبة أو هدية معبرة.

وأما هؤلاء النسوة اللاتي ذكرت من إيذائهن لأزواجهن، وتطاولهن عليهم فلا ترتابي في أمرهن ولا تشكي قط أنهن على الخطأ المبين، وأنك على الصراط المستقيم، فابذلي لهن ما تستطيعين من الوعظ وذكريهن بحق الله وحق الزوج، فإن لم يجد ذلك معهن فاقطعي علاقتك بهن؛ لئلا تتأثري بأحوالهن، فإن الأخلاق ما أسرع ما تنتقل إلى الصاحب المعاشر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني