الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من حق الزوج أن ينفق على أهله وإن كانوا موسرين

السؤال

أنا متزوجة وعند زواجي تنازلت عن المسكن والجهاز، والذهب المفروض أن يقدم لكل عروس عند الزواج، حيث إن زوجي يعمل بالخارج، فاخترت العفة ووافقت على الزواج على اعتبار أن أقيم مع الأهل حتى تتهيأ له الظروف وأسافر معه، ولكن ـ قريبا ـ سألته فيم يصرف راتبه؟ فتفاجأت أنه يساعد أخاه المتزوج والذي في مستوى اجتماعي عال جدا، وكذلك يساعد أسرته بالكامل بمبلغ، ونحن أولى به لبناء مسكن خاص بنا وعندما عارضته اتهمني بالتدخل فيما لا يخصني وأنه يجب أن يكون فيه الخير لأهله وأنه ملزم بأن يحضر المسكن والذهب وبعدها ليس لي حق في التدخل فيما لا يخصني، وسؤالي الآن: هل أنا على خطإ عندما أعارضه في هذا؟ وهل هذا يرضي الله أن يتغرب زوجي وأحكم على نفسي بفراقه هذه الفترة وأساعده وآخذ بيده وأتحمل معه الغربة وبعدي عن أهلي عندما أسافر عنهم حتى يتمتع أخوه بهذا المال ـ حتى ولو كان قليلا ـ فهو لا يستحقه، وإن كان يستحقه فأنا من تطلب له ذلك، ولكن مستواه عال، أليس زوجي أولى بهذا المال؟ وإن كان فوق حاجته فليدخره لينتفع به في وقت آخر أو يتصدق به على فقير يستحقه، وهل زوجي على صواب وهو يتصرف من باب مساعدة الأهل وبدافع طيبته وحبه لأهله؟ وأنا أراه ظلما لي ولنفسه حتى ولو كان هذا المال فوق حاجته فالفقير أولى به، أو زوجي نفسه أولى به، فيا ترى أينا على صواب؟ أريد رأي الشرع، وإن كان زوجي على صواب فأريد نصيحة لي تثبتني وتجعلني أرضى وأتسامح في هذا حتى أشاركه الأجر ـ إن كان له أجر في ذلك ـ وإن كنت أنا على صواب فأرجو التعليل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد جانبت الصواب حين أنكرت على زوجك إنفاقه على أهله ـ وإن كانوا أغنياء موسرين ـ وذلك لأن هذا المال حق خالص لزوجك له أن ينفقه كيف شاء بشرطين:

الأول: أن يكون هذا في وجوه المباح مما أحله الله وشرعه.

الثاني: أن لا يخل بحقوق زوجته وأولاده.

وأنت قد ذكرت أن زوجك قد التزم بتوفير مسكن لك, بل والتزم أن يوفيك حقك من ما كنت تطلبين عليه من الذهب، فإذا فعل ذلك وقام بالواجب عليه تجاهك من مطعم وملبس وعلاج وغير ذلك من الأمور المذكورة في الفتوى رقم: 113285, فلا حرج عليه فيما أنفق بعد ذلك ـ سواء أعطاه لأهله أو للفقراء أو لغيرهم ـ ولا يجوز لك أن تعترضي عليه في ذلك, ولا أن تلزميه بأن يدخره لوقت حاجته, وليس هذا من باب الظلم لك، لأنه لا حق لك في هذا المال، بل المال حق خالص له, ولا يعد هذا من الظلم لنفسه، بل إن ما يفعله من القربات العظيمة التي يعظم الله عليها الأجر، لما تتضمنه من فعل الخيرات ووصل الأرحام والإحسان إليهم.

أما تنازلك عن المهر، فإن كان قبل العقد فهو لغو ويجوز لك أن تطالبي زوجك به, وأما إن كان بعد العقد فإنه تنازل صحيح صدر من أهله في محله, وبالتالي، فلا يجوز لك الرجوع في ذلك إلا أن يعطيك زوجك ذلك هبة منه, جاء في بدائع الصنائع: من تزوج امرأة ولم يُسم لها مهراً بأن سكت عن ذكر المهر، أو تزوجها على أن لا مهر لها، ورضيت المرأة بذلك، يجب مهر المثل بنفس العقد عندنا، حتى يثبت له ولاية المطالبة بالتسليم. انتهى.

وقد بينا تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 28137.

وإن كان من وصية ننصحك بها: فإنا ننصحك بتقوى الله سبحانه ثم بالحرص على طاعة زوجك وإرضائه في المعروف، لأن هذا من أعظم الأسباب التي توصلك إلى رضوان الله وجنته, فقد روى أحمد عن الحصين بن محصن: أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك.

صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت.

رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني.

واعلمي أن ما يفعله زوجك من الإحسان إلى أهله من أسباب البركة في المال والولد ومن أسباب سعة الرزق ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه.

فكيف تعترضين عليه في أمر يقربه إلى الله ويجلب لكم سعادة الدنيا والآخرة.

وفقكم الله لما يحبه ويرضاه وصرف عنكم كيد الشيطان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني