الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مريض الوسواس القهري لا اختيار له فيما يطرأ عليه من أفكار

السؤال

أنا أريد أن أعرف ما المقصود بالحديث: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به. فهذا للشخص المسلم العادي، فما حكم المريض بالوسواس القهري؟ وما المقصود بالفعل والعمل؟ يعني أنا مثلا عند الصلاة في لحظة السجود تأتي فكرة في رأسي أنني أسجد للحائط يعني عقليا أكون أنا فعلا أسجد للحائط والعياذ بالله، لكن قلبيا لا فإنني أسجد لله، وهذا هو ما عزمت عليه في أول الصلاة في النية هي العزم في أول العمل مثل ما ذكرت، وعند عمل شيء محرم غير مخرج من الملة يأتي لي وسواس كفر أشعر أنني أقصده، لكن سببه هو الشيء المحرم، وعند شتم شخص بأبيه أشعر أنني أسب الله والعياذ بالله، كان الشيء يتحور لوحده في أقل من الثانية، أنا لا أعرف هل هو بإرادتي أم لا، لكن أنا لا أريد الكفر وأنا متزوج وتأتنيي أفكار من هذا منذ سنوات، وعند الخطبة وقبل الدخول وبعده إلى الآن وأنا أعرف جديا أنني مريض بالوسواس القهري وأتعالج منه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالوسوسة وحديث النفس شيء يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، ومن فضل الله تعالى ورحمته أن تجاوز عن ذلك ما لم يعمل به أو يتكلم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم. رواه البخاري ومسلم. قال النووي في الأذكار: الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه. وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. اهـ.

وكره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم. قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ. وراجع في ذلك الفتويين: 7950، 12300.

فليبشر السائل الكريم، فإنه إن شاء الله من هذا النوع، لأن كما يقول عنه نفسه: أنا لا أريد الكفر.

هذا في حال الوساوس العادية، أما في حال مريض الوسواس القهري فالأمر أوضح وأوضح، حيث لا اختيار له في ما يطرأ عليه من أفكار، بل هو في حكم المضطر، ومثله لا يؤاخذ على ما يعرض له من خواطر، فإنه غير قادر على التوقف عن الأفكار السخيفة التي يؤمن أنها خاطئة، كما سبق تفصيله وإيضاحه في الفتويين: 60628، 3086.

وأما حديث: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها.. فقد سبق لنا شرحه في الفتوى رقم: 54289. وما يذكره السائل الكريم من حاله لا يخرج عن دائرة العفو والتجاوز، فإن أعماله كالصلاة مثلا، لم ينشئها ابتداء للحائط أو غيره، بل لله تعالى، وهو على يقين من هذا، فطروء العارض بغير ذلك لا يعدو الوسوسة التي قدمنا الكلام عليها. ونوصي السائل بضرورة الرجوع للفتوى رقم: 60628، للأهمية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني