الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم مقاطعة من تضر صحبته بالدين

السؤال

لدي صديقة تدرس معي في الجامعة، ولكنها ليست ملتزمة، تعرفت عليها في السنة الجامعية الأولى، فلمست فيها طيبة القلب وكانت تصلي، ولكنها غير محجبة فرحت أدعوها إلى الحجاب، وكنت أغتنم اللحظات التي تكون فيها هادئة وأروي لها موقفا من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم أو موقفا للصحابة وأمدح بعض شيوخ عصرنا لأحبب إليها الاستماع للدروس، وكنت بين الحين والآخر أعطيها درسا لشيخ من الشيوخ، وكنت حذرة في انتقاء الدرس، وكانت تقتنع يوما بعد يوم، واشترت ملابس بأكمام طويلة كبداية، وعندما وصلنا إلى نهاية السنة الدراسية قالت بإنها سترتدي الحجاب في الإجازة الصيفية وبقينا على اتصال هاتفي، ومن ثم انقطعت عني، وعندما التقينا في السنة الموالية وجدتها قد عادت إلى ما كانت عليه فلم أخاطبها في الأمر، ولم أهتم وأردت أن أستميلها كالعادة تدريجيا، ولكنني وجدت بأنها أصبحت تنفر مني وترفض الكلام في أي موضوع عن الدين وعن الحجاب، فالتزمت الصمت ولم أبد لها استيائي، ثم وجدت بأنها تعرفت على صديقات جدد وكن بعيدات كل البعد عن الالتزام ـ أسأل الله أن يهديني وإياهن إلى الحق ـ فالتزمت الصمت ولم أبد رأيي فيهن، لأنها كانت ستعتبرها نقدا لها هي قبل أن يكون لهن، وذات مرة حدثتني بأن شابا يريد أن يتعرف عليها وأن صديقة من صديقاتها الجديدات عرفتها عليه، وهنا لم أتمالك نفسي وقلت لها بأن تبتعد عن تلك الفتاة، ولكنها رفضت ومنذ ذلك اليوم أصبحت تتجاهلني وتكلمني ببرود فتجاهلت الأمر، وحاولت أن أكون عادية، واستمررت على ذلك الحال، حتى جاءتني يوما وهي تبتسم وكأن شيئا لم يحدث، ثم عرفت منها أنها تأكدت من أن ذلك الشاب لا يريد إلا اللهو وأنها لن تخاطبه ثانية، ولكنني لاحظت بعد فترة أنها أصبحت توجه لي الانتقادات بأسلوب جارح ـ نوعا ما ـ وتحاول أن تبين أنني على خطإ وتنتقد مثلا عدم موافقتي مصادقة الشبان بدعوى الأخوة، وأنا لم أعد أستطيع تحمل تصرفاتها، ثم إنني أحسست أنني فقدت بعض مبادئي التي لم أكن أتنازل عنها قبل ذلك وقرأت قول الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً.
فأحسست أنني إن بقيت على علاقة بها سأخسر الكثير، فهل يجوز لي أن أقطع علاقتي بها؟ علما بأنني أخاف أن يكون هذا سببا لازدياد كرهها للملتزمين ولإبعادها عن الاسلام.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فشكر الله لك حرصك على دعوة زميلتك إلى الاستقامة، وقيامك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعلمي أن علاقتك بتلك الفتاة إن كانت تضر بدينك، فالواجب عليك مقاطعتها، حتى لو ظننت أن ذلك يزيد نفورها من الحق، فإن محافظة الإنسان على سلامة دينه مقدمة على غيره، وقد تكون مقاطعتها رادعاً لها وسبباً في رجوعها للحق، فالقلوب بيد الله عز وجل والهداية أمرها إليه سبحانه، وقد يحسن بك أن تخبريها بسبب مقاطعتك لها مع التزامك بالخلق الطيب وتجنب الإساءة إليها، فذلك هو الهجر الجميل، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

ولا مانع من مداومتك على الدعاء لها بظهر الغيب، فإن الله قريب مجيب، وراجعي في حكم الدراسة في الجامعات المختلطة الفتوى رقم: 2523.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني