الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طرد العامل السارق.. رؤية مقاصدية

السؤال

نرجو إفادتنا: أعمل مديراً إدارياً لفرع شركة قام أحد العمال بسرقة زملائه وقد عََلمته، فهل أطرده من العمل وإن كانت دوافعه للسرقة مثل العلاج، أو عمل عملية جراحية لأحد أولاده؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان لهذا العامل مدة معلومة في عقد إجارته, فالأصل أنه يلزم الوفاء بها من الطرفين، لأن عقد الإجارة عقد لازم طيلة مدة العقد, ولا يجوز لأحد الطرفين فسخه إلا لسبب يقتضي الفسخ, وقد اختلف الفقهاء في فسخ الإجارة للعذر, والراجح ـ وهو مذهب الجمهور ـ أنها تفسخ إذا وجد عذر شرعي, كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 129670.

والذي يظهر أن سرقة العامل من محل عمله عذر يبيح الفسخ وقد نص الفقهاء على نظائر ذلك، فقال ابن نجيم في الأشباه والنظائر: مرض العبد وسرقته عذر للمستأجر في فسخها. اهـ.

وقد بين ابن مازة وجه ذلك في المحيط البرهاني فقال: إذا وجد العبد المستأجر للخدمة سارقا فهذا عذر، لأن هذا بمنزلة العيب في المعقود عليه، لأن السرقة توجب نقصانا في الخدمة، لأنه متى كان سارقا لا يأتمنه المستأجر على ماله إذا خلى بينه وبين أعمال الخدمة في الدار خوفا من سرقته على ماله, ويتعسر عليه ملازمته كل ساعة وأوان, فهو معنى قولنا هذا عيب في المعقود عليه, فيثبت للعاقد الخيار. اهـ.

ومما جاء هنا ـ أيضا ـ نصهم على أن الظئر المستأجرة للإرضاع إن كانت سارقة فهو عذر يبيح فسخ إجارتها، ففي الفتاوى الهندية: ليس للظئر، أو للمسترضع أن يفسخ هذه الإجارة إلا بعذر, والعذر لأهل الصبي أن لا يأخذ لبنها، أو يتقيأ، وكذلك إذا كانت سارقة. اهـ.

وكذلك نصهم في فسخ المساقاة بكون العامل سارقا, كما قال ابن نجيم في البحر الرائق: وتفسخ بالعذر كالمزارعة بأن يكون العامل سارقا، أو مريضا لا يقدر على العمل، لأنها في معنى الإجارة, وقد بينا أنها تفسخ بالأعذار, وكونه سارقا عذر ظاهر، لأنه يسرق الثمر والسعف ويلحق الآخر الضرر. اهـ.

والخلاصة: أن من حق المسئول عن العمل طرد العامل الذي تبينت سرقته, ويبقى السؤال هنا عن الأفضل: هل هو طرده أم استبقاؤه؟ ومثل هذه الأمور لا نعلم فيها نصا يجب القول به والمصير إليه, وإنما يعمل فيها بما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة, فإن تزاحمت المصالح أو المفاسد روعي أعلاها, بتحصيل أعلى المصالح ودرء أعلى المفاسد, فهذه هي القاعدة العامة في ذلك.

والذي نراه بخصوص ما ذكره السائل أنه ينبغي النظر في حال هذا السارق, فإن كان معروفا بالخير والأمانة وما حصل منه يعتبر فلتة اضطره إليها فقره وشدة حاجته إلى المال, مع كونه ينتصح إذا نصح ويتأثر إذا وعظ فالستر عليه وإبقاؤه في عمله أولى من طرده, لا سيما وهذا الطرد ـ الذي يعني فقده للدخل الذي يعوله ـ يمكن أن يحمله على فساد أشد وجرم أكبر، وأما إن كان معروفا بالشر والتهاون والتسيب وتضييع الأمانة, فلا شك أن طرده من العمل أولى, زجرا له ولأمثاله, وحفاظا على الشركة والعاملين فيها، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 141919

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني