الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المخاطرة بالنفس لإنكار المنكر

السؤال

ما حكم المخاطرة بالنفس لدرجة الهلاك من أجل تغيير المنكر ـ بعد استيفاء شروط التغيير ـ وأيضا من أجل إنقاذ الغريق، أو من في الحريق؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن أراد أن يخاطر بنفسه في تغيير المنكر بيده بعد أن استنفد المراحل السابقة للتغيير من الوعظ والتذكير والتعليم فهذا جائز بشرط أن لا يؤدي هذا التغيير إلى منكر أعظم منه، أو فتنة عامة تعظم مفسدتها. وفي ذلك يقول العز بن عبد السلام: ويجوز التغرير بالنفوس والأعضاء في كل قتال واجب لتحصيل مصالحه، وكذلك التغرير بالنفوس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند أئمة الجور، لما فيه من إعزاز الدين ونصر رب العالمين، وقد جعله صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ـ لأن تغريره لنفسه وبذله لها آلم من تغرير المجاهدين، فإن المجاهد يرجو أن يقتل قربة بخلاف الآمر والناهي للسلطان الجائر. انتهى.

مع التنبيه على أن العلماء قد نصوا على أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر إذا غلب على ظنه عدم الاستجابة له فيسقط الوجوب ويبقى الندب يقول العز بن عبد السلام: رحمه الله ـ فإن علم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن أمره ونهيه لا يجديان ولا يفيدان شيئا، أو غلب على ظنه، سقط الوجوب، لأنه وسيلة ويبقى الاستحباب، والوسائل تسقط بسقوط المقاصد، وقد كان صلى الله عليه وسلم يدخل إلى المسجد الحرام وفيه الأنصاب والأوثان ولم يكن ينكر ذلك كلما رآه، وكذلك لم يكن كلما رأى المشركين ينكر عليهم، وكذلك كان السلف لا ينكرون على الفسقة والظلمة فسوقهم وظلمهم وفجورهم، كلما رأوهم، مع علمهم أنه لا يجدي إنكارهم، وقد يكون من الفسقة من إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، فيزداد فسوقا إلى فسوقه، وفجورا إلى فجوره. انتهى.

وأما إنقاذ الغرقى والحرقى معصومي الدماء فهو واجب كفائي، فإن لم يوجد من يقوم بهذا الفعل إلا شخص معين فإنه يتعين عليه، ويصبح من أعظم الواجبات وأجل القربات يقول العز بن عبد السلام ـ رحمه الله: تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء الصلوات، لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة والجمع بين المصلحتين ممكن بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة، ومعلوم أن ما فاته من مصلحة أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك، وكذلك لو رأى الصائم في رمضان غريقا لا يتمكن من إنقاذه إلا بالفطر أو رأى مصولا عليه لا يمكن تخليصه إلا بالتقوي بالفطر، فإنه يفطر وينقذه، وهذا أيضا من باب الجمع بين المصالح، لأن في النفوس حقا لله عز وجل وحقا لصاحب النفس. انتهى.

وفي الفروع لابن مفلح: ومن وجد آدميا معصوما في مهلكة كغريق ونحوه ففي فتاوى ابن الزاغوني: يلزمه إنقاذه ولو أفطر. انتهى.

وفي تصحيح الفروع تقييد ذلك بالقدرة ففيه: قال ابن الزاغوني في فتاويه: يلزمه الإنقاذ مع القدرة عليه ولو أفطر قلت: وهو الصواب. انتهى.

ولكن وجوب إنقاذ الغرقى والحرقى مشروط بظن السلامة، وإلا فلو غلب على ظن المنقذ الهلاك كما لو حاول شخص لا يعرف السباحة إنقاذ غريق فهذا لا يجب عليه ذلك، بل الظاهر أنه لا يجوز له ذلك أصلا، لما فيه من الالقاء بالنفس في التهلكة وهو منهي عنه، جاء في السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: لا شك أن إنقاذ الغريق من أهم الواجبات على كل قادر على إنقاذه فإذا أخذ في إنقاذه فتعلق به حتى خشي على نفسه أن يغرق مثله فليس عليه في هذه الحالة وجوب لا شرعا ولا عقلا فيخلص نفسه منه ويدعه سواء كان قد أشرف على النجاة أم لا، بل ظاهر قوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ { البقرة: 195} أنه يجب عليه تخليص نفسه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني