الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ينتصر الله للمظلوم متى شاء وكيف شاء

السؤال

أنا مطلقة منذ عامين، ولا أستطيع النوم بسبب الظلم، واحتسبت أمري عند الله، ولكن ربي لم ينتقم لي إلى هذه الساعة، تزوجت من رجل يكبرني 15 عاما، ولديه 3 أبناء وبنت واحدة، ظلمني ظلما كبيرا لا أستطيع أن أغفره له، اكتشفت بعد زواجي أنه مريض بالسكري والضغط والديسك، وكان يبعد عني وينفر مني بسبب ضعفه الجنسي واعتماده على الحبوب الزرقاء، وأصبحت كالممرضة ولم أشتك وتحملت، ومع ذلك كان وقحا، كانت هناك خادمة لأولاده ويريد أن يرجعها إلى بلدها، وأصبح أنا الخادمة ويريد راتبي، وأن يصرف راتبي على أبنائه، ويحلف يمينا أن لا آخذ من الراتب إلا دينارا واحدا للمدرسة، فأنا معلمة، وعندما رفضت امتنع من جلب الطعام للبيت، وأصبح يهينني أمام أبنائه ويناديني ياعانس ياعانس؛ لأنه تزوجني وعمري 34 وهو 50 عاما، وتحملت فقد أصبحت حاملا، وفي يوم من الأيام حدثت حادثة فظيعة قامت زوجته السابقة وابنته بالاتفاق مع رجال ليغتصبوني وتشويه سمعتي، واتصل أحد هؤلاء الرجال بأهله وبه لتحذيره، وقام بنفسه بتوصيلي لبيت أهلي وقال لي استأجري بيتا بالقرب من أهلك بعيدا عن ابنته الشريرة، وفي اللحظة التي وصلت البيت أقفل الهاتف واتصل أهله بي وقال إنه سوف يطلقك ولن يبقيك على ذمته بتاتا، اتصلت به أبكي لماذا تطلقني لم أفعل شيئا وأتصل بأهله فيقولون ليس لنا عليه سلطان، صبرت كثيرا وابني في بطني، وقلت عندما أنجب سوف يخاف الله ويفتح لي بيتا، وبالعكس عندما أنجبت لم يقبل الوصول إلى المستشفى ورفض أهلي أن يدخل الطفل البيت بسبب أخلاق أبيه السيئة، أتى أخو زوجي وأخذ الطفل وحرمت من تربية ابني، ومن كثرة ضغط أهلي تنازلت عن مهري وطلقني، وأنا لم أفعل شيئا الله يعلم يوم الحادث جلست على السرير وقلت له لو تأتي ابنتك حاملا ولديها أبناء بالحرام لن أخبر أحدا بقيت في بيت أهلي تسعة أشهر وأنا حامل ولم يسأل، سرق عطري ومكياجي وملابسي وأعطاها لابنته بدلا من أن يعاقبها، لم أقل لأحد ماذا فعلت ابنته وكلت أمري لله، ولكن الله لم يفعل شيئا به، فقد تزوج الثالثة ويتظاهر بالضحك وأنه سعيد أمام الناس ليغيظني وأنا مطلقة في بيت أهلي ولا أعرف شيئا عن ابني، ظلمت ظلما شنيعا يشهد الله أنني لم أفعل شيئا بهذا الرجل وأبنائه، لا أنام اليل وهو ينام سعيدا، وأدعو الله ليل نهار أن ينتقم منه ومن ابنته ولكن الله لم يفعل شيئا له فهو يضحك ليل نهار، فماذا أفعل؟ فقدت عقلي ظلمت ظلمت ظلمت ظلمت ظلمت ولم أفعل شيئا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج كربك، وأن يزيل همك، وأن يسعدك في دنياك وأخراك، إن ربنا قريب مجيب، وننصحك أن تجتهدي في أن تهوني على نفسك وتصرفيها عن التفكير فيما حدث من ظلم لك من زوجك، فإن تذكر هذه الأشياء لا ينفعك بل قد يضرك، والحياة الدنيا دار ابتلاء، يبتلي الله فيها عباده بما يشاء، وإذا حدث الابتلاء ينبغي أن يستحضر المسلم عبادة الصبر ليجعل هذه النقمة نعمة، ويجعل المحنة منحة، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وابن ماجة عن أنس ـ رضي الله عنه.

وروى أحمد والترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.

فعليك بالصبر، فالصبر من الإيمان، وراجعي في فضائل الصبر الفتوى رقم: 18103.

وإذا ثبتت هذه التصرفات التي ذكرتها عن زوجك فقد أساء عشرتك، ومن حق الزوجة على زوجها أن يحسن عشرتها وأن ينفق عليها وعلى أولاده منها لا أن يلزمها بالصرف عليهم من مالها، فللمرأة ما تكتسب من مال، ولا يجوز لزوجها التصرف في شيء منه بغير إذنها، ولمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 115235.

ثم إنه قد قابل الإحسان بالإساءة، وهذا من شأن اللؤماء لا من شأن الكرماء، ولا يلزمك شرعا خدمة أبنائه من غيرك.

وبالنسبة لحضانة ابنك بعد الطلاق فهو حق لك ما لم تتزوجي، وراجعي الفتوى رقم: 30316.

فإقدام أي أحد على منعك هذا الحق ظلم بين، ويجوز لك رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية ليتم إنصافك، ومن حق المظلوم أن يدعو على من ظلمه، والله تعالى ليس بغافل عن الظالم، ولكنه سبحانه ينتصر للمظلوم متى شاء حسب علمه وحكمته، فهو لا معقب لحكمه، وليس للعباد أن يتدخلوا في شأنه، فذلك من سوء الأدب مع الله وهو يمهل الظالم فإذا أخذه لم يفلته، ثبت في الصحيحين عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ٌ إن أخذه أليم شديد.

وما يدريك لعل الله قد انتقم منه من حيث لا تشعرين، أو أنه سبحانه يريد أن يؤجل ذلك حتى يوافيه به يوم القيامة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فثقي بأن حقك لن يضيع، والأمر لله من قبل ومن بعد، وللفائدة راجعي الفتويين رقم: 163121، ورقم: 142167.

ومع هذا كله فإننا ننصحك بالعفو، فهو وإن كان صعبا على النفس إلا أن له عواقبه الحميدة في الدنيا والآخرة، وراجعي الفتوى رقم: 27841، وهي في بيان أن ثمرات العـفـو عن الظالم لا تقارن بالانتصاف منه.

بقي أن ننبه إلى أن ما ذكرت عن زوجة هذا الرجل السابقة وابنته وأنهما قد حرضا بعض الرجال على اغتصابك، فإن ثبت هذا فلا شك في أنه تصرف منهما قبيح وإثم مبين يجب عليهما التوبة منه، وننبه أيضا إلى أنه ينبغي لأهل الزوج أن يتدخلوا بين ابنهم وزوجته بالإصلاح لا أن يكونوا سببا في إذكاء الخلاف، كما أن من الغريب أن يرفض أهلك إدخال ابنك إلى بيتهم بسبب أخلاق أبيه السيئة حسب زعمهم فيما نقلت عنهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني