الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الصلاة عند انحراف قبلة المسجد عن اتجاه القبلة الصحيح بـ 89 درجة

السؤال

لدينا مسجد في قرية سين بره ـ في فرنسا ـ وهو المسجد الوحيد في قريتنا، وتقام فيه الصلاة منذ سنين عديدة، وقبل فترة اتضح أن المسجد منحرف عن اتجاه القبلة فاستعملنا البوصلات وأتينا بالمهندسين، فتبين أن انحرافه عن القبلة يعادل 89 درجة، فاجتمعنا مع القائمين على المسجد وطلبنا منهم بهدوء وحكمة أن يسمحوا لنا بتصليح هذا الخطإ الفادح، الذي لا يعتبر ـ حسب تصورنا ـ من الانحراف اليسير المسموح به شرعا، فرفضوا متذرعين بحديث: ما بين المشرق والمغرب قبلة ـ ولم تنجح معهم حتى الآن جميع محاولاتنا، فقمنا بتقديم طلبات كثيرة للسلطات للسماح لنا باتخاذ مسجد آخر عن طريق استئجار قاعة مناسبة، فكان جوابهم الرفض القاطع، أضف إلى ذلك أن الوضع الحالي للمسجد يجعل الجزء المخصص للنساء أمام الإمام من جهة اليمين مع وجود حاجز، ولا يخفى ما في ذلك من الحرج فمن المفترض أن تكون صفوف النساء خلف صفوف الرجال وليس أمامهم، وبإصلاح القبلة سيتم تفادي ذلك وتصبح صفوف النساء في وضعها الطبيعي ـ أي خلف الرجال ـ والسؤال المطروح هو: هل الصلاة بانحراف عن القبلة بالمقدار المذكور صحيحة كما فهمه القائمون على المسجد من الحديث الآنف الذكر؟ وفي حال عدم صحتها، فهل يجب علينا إعادة الصلوات الماضية؟ وهل يجوز لاستمرار في الصلاة في المسجد ما دام في وضعيته الحالية؟ علما بأنه المسجد الوحيد في قريتنا ـ كما أسلفنا ـ نرجو من فضيلتكم الإفتاء مأجورين بأقصى حد ممكن من الدقة والتفصيل عسى الله أن يكتب على أيديكم تسوية هذا الخلاف الشائك، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالانحراف عن القبلة بالقدر المذكور يعتبر انحرافا فاحشا، إذ يكون به المصلي قد استقبل القبلة بجنبه وليس بوجهه أو صدره، وليس لهؤلاء حجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما بين المشرق والمغرب قبلة ـ لأن الحديث المشار إليه قاله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة حيث قبلتها جنوبا ما بين المشرق والمغرب فيتسعون يمينا وشمالا فيها ما بين المشرق والمغرب، ويكونون حينئذ في اتجاه القبلة لا يخرجون عنها ولو انحرف الواحد منهم 89 درجة لكان متجها للشرق أو للغرب والنبي صلى الله عليه وسلم قال: بين ـ ولم يقل المشرق والمغرب قبلة. فالانحراف عن القبلة بمقدار 89 درجة يخرج المصلي عن جهة القبلة، بل ولو كان الانحراف يسيرا لم يجز لكم تعمده بعد العلم به وتبطل به الصلاة في قول بعض الفقهاء، جاء في شرح الرسالة للنفراوي لما ذكر خطأ المنحرف يسيرا وأنه يستقبلها بعد العلم، قال: وَمَفْهُومُ الْخَطَإِ أَنَّ تَعَمُّدَ الِانْحِرَاف مُبْطِلٌ. اهـ

وهذا في اليسير فكيف بالكثير كما في المسجد المشار إليه، فإنه تبطل به الصلاة بلا خلاف نعلمه، كما أن صلاة النساء أمام الإمام لا تصح في قول كثير من الفقهاء، لأن من شرط صحة الاقتداء أن لا يتقدم المأموم على إمامه. جاء في الموسوعة الفقهية: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الاِقْتِدَاءِ أَلاَّ يَتَقَدَّمَ الْمُقْتَدِي إِمَامَهُ فِي الْمَوْقِفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ـ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ـ وقال مالك: هذا ليس بشرطٍ، ويجزئه التّقدّم إذا أمكنه متابعة الإمام. اهــ.

فلأجل هذا وما سبق من أن الانحراف المذكور لا تصح معه الصلاة ينبغي للقائمين على المسجد إصلاح الخطأ. فنوصي القائمين على المسجد بتقوى الله تعالى وبتغيير اتجاه المسجد بما يتوافق مع جهة القبلة، وأن لا يكونوا سببا في بطلان صلاة المصلين فيتحملون وزرهم يوم القيامة، ويلزمكم أيضا إعادة ما مضى من الصلوات في المفتى به عندنا، وانظر الفتوى رقم: 152821، عن مذاهب العلماء فيمن صلى لغير القبلة خطأ، وكذا الفتوى رقم: 158683.

وانظر أيضا للأهمية الفتوى رقم: 167373، عن حكم المساجد التي بها انحراف يسير عن الكعبة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني