الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم أخذ الموظف راتبا بدون عمل

السؤال

تقوم الدولة بإلزام بعض الشركات بتوظيف المواطنين, وتتكفل الدولة مقابل ذلك بدفع جزء من الراتب, فتقوم بعض هذه الشركات بجمع أسماء بعض المواطنين وتدرجهم ضمن قائمة موظفيها, وتعطيهم الراتب المقدم من الدولة فقط, دون أن تعطيهم هي شيئًا, وذلك مقابل إعفائهم من الحضور والعمل, فما الحكم في ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المال الذي تكفلت الدولة بدفعه من الرواتب إنما هو أمانة في أعناق المسئولين عن تلك الشركات, وطالما أن الدولة قد تكفلت بذلك مقابل توظيف هؤلاء المواطنين، فإن ما تقوم به تلك الشركات من إعفائهم من العمل مع إعطائهم من مال الدولة، إنما هو غش وخيانة للأمانة, وإخلال بمقصد الدولة من توظيفهم, وجعلهم لبنة في بناء المجتمع، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من غش فليس مني.
وعلاوة على ذلك، فإن كانت تلك الشركات قد شُرط عليها عند الترخيص لها أن توظف في أعمالها نسبة من المواطنين، فإنه يجب على هذه الشركات أن تفي بما شُرط عليها, وتوظف هؤلاء المواطنين توظيفًا حقيقيًا يحقق مقصد صاحب الشرط؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: المسلمون عند شروطهم. رواه البخاري تعليقًا, ورواه غيره موصولًا.
وعلى ذلك, فلا يجوز لتلك الشركات أن تتفق مع المواطنين على ما ذكر في السؤال؛ لإخلاله بشرط الدولة في دفع هذا المال.
كما لا يجوز لهؤلاء المواطنين أخذ هذا المال دون عمل منهم؛ لأنهم لا يستحقونه, يقول عليه الصلاة والسلام: والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يوم القيامة يحمله. متفق عليه من حديث أبي حميد الساعدي, وانظر الفتوى رقم: 45611 وما أحيل عليه فيها.
فهؤلاء الموظفون إما أن يلتزموا بالحضور وتنفيذ ما يطلب منهم من أعمال ومطالبتهم بأجورهم كاملة كغيرهم؛ فإن الأجير الخاص إذا سلم نفسه استحق الأجرة وإن لم يعمل, وانظر الفتوى رقم: 121265.
وإما أن يستقيلوا من هذه الشركة، بل قد يكون هذا هو الواجب عليهم إن اعتقدوا أن أصحاب تلك الشركات مظلومون بإلزامهم بذلك, وأما ما قبضوه سابقًا بدون حضور فعليهم أن يتحللوا منه, وقد سبق الكلام على كيفية التحلل من المال العام في الفتوى رقم: 50478.
وقد سئل فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - سؤالًا يقول: تعمد بعض الشركات والمؤسسات إلى توظيف بعض الشباب والفتيات توظيفًا وهميًا من أجل نظام السعودة، فيبقى الموظف في بيته ويصرف له أو لها الراتب, فما حكم أخذ هذا الراتب؟ ولا يخفى عليكم أن هذه القطاعات ملزمة بتوظيف نسبة معينة من السعوديين.
فأجاب بقوله: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فهذه الشركات والمؤسسات التي شُرط عليها عند الترخيص لها أن توظف في أعمالها نسبة من السعوديين حسب التخصصات المناسبة والممكنة، فإنه يجب على هذا الشركات والمؤسسات أن تفي بما شُرط عليها، فتوظف من السعوديين العدد المفروض توظيفًا حقيقيًا؛ كي يستفيد الشباب خبرة بالإضافة إلى المرتب، وهذا هو المقصود من إلزام الشركات والمؤسسات من توظيف السعوديين، وليس المقصود تسجيل أسمائهم ودفع مرتباتهم بلا عمل، وهذا لا يحل لأصحاب الشركات والمؤسسات؛ لأنهم بهذا لم يفوا بما شُرط عليهم، ولا يحل للشباب أخذ هذه المرتبات؛ لأنهم يأخذونها بغير مقابل ولو رضي أصحاب الشركات أو المؤسسات فإن في ذلك إعانة لهم على التلاعب والكذب، ولو فُرض أن الشركات والمؤسسات مظلومة بما شُرط عليهم، فلا يحل أخذ ما يدفعونه من مرتبات؛ لأنهم ملزمون بذلك على هذا التقدير بغير حق، فالواجب إذن على الشباب بنين وبنات أن يستغنوا ولا يرضوا لأنفسهم بأخذ مرتبات بغير حق في وظائف وهمية، وعليهم أن يطلبوا الرزق بأسباب واضحة نقية، ففي هذا الخير والبركة. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني