الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إنكار المنكر غير مقيد بعدد معين من المرات

السؤال

جزاكم الله خيراً على هذا الموقع الطيب: أنا شاب أسكن مع والدي وقد تربى معنا في البيت عمي منذ صغره ونعتبره كأخ أكبر لنا ومازال يسكن معنا إلى الآن، وقد تجاوز عمره الآن الثلاثين، ووالدتي كاد عمرها يصل الخمسين، وقبل فترة انتبهت إلى أن عمي يعتبر رجلاً أجنبياً على والدتي، فقمت بإخبار والدتي بذلك، وأنني سأقول له أن عليه أن يجلس في أماكن الضيوف وأن لا يكون في غيرها من أماكن البيت لأن أمي تكون بملابس البيت فيظهر رأسها وشيء من ساقيها ويديها، فغضبت وقامت بإخبار والدي بذلك، فغضب ونهاني عن ذلك وقال لي ليست لك علاقة بالموضوع، وعلى الرغم من ذلك فإنني خالفته وقلت لعمي ما أردت أن أقول له بعد مجاهدة شديدة لنفسي، وذلك لأنني أكن لعمي معزة واحتراما شديدين، فأبدى استغرابه من الأمر وقال لي إنه يعتبر والدتي كأمه، ولكنه في نهاية الأمر قبل كلامي وقال لي إنه سيحاول إيجاد مكان آخر ليرحل إليه، وسافرت للدراسة ولم يقم بالرحيل فاتصلت به بعد فترة وأنكرت عليه مرة أخرى، وبعد رجوعي من السفر لم أستطع الإنكار عليه ثالثة، فهل يجب علي الإنكار عليه مرة ثالثة؟ أم يستحب؟ وهل سأدخل في اللعن والعقوبات الأخرى التي تدل عليها الأدلة بذلك إن لم أنكر مرة أخرى؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل أن إنكار المنكر من الواجبات، للأدلة الكثيرة الدالة على ذلك، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. أخرجه مسلم.

قال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فليغيره ـ فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم، كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين لا يكترث بخلافهم في هذا، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء... ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو كمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف .اهـ.

وما دام المنكر باقيا فوجوب إنكاره قائم، قال الشيخ سليمان الماجد: فإن مقصود الشريعة من الحسبة تغيير المنكر إلى المعروف، ولهذا ثبت في الحديث مرفوعا: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.. رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري، فعليه متى غلب على ظنه أن المنكر يتغير بتكرار الإنكار وجب عليه ذلك، ما لم يفض إلى حرج، ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف. اهـ.

وتكرار الإنكار لا تقييد له بعدد معين من المرات، وإنما يجب الإنكار بحسب الوسع والقدرة، ورجاء المصلحة منه، وعليه فينبغي لك منصاحة عمك مرة أخرى بالكف عن الاختلاط بوالدتك، ومناصحة والدتك كذلك بألا تبدي زينتها لعمك، مع الدعاء لهما بالهداية والسداد، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 119075.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني