الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تغيير الأمر المشكوك في كونه منكرا

السؤال

إذا شككت في كون الشيء منكرًا من عدمه، فهل يجب عليّ تغييره، أو ترك المكان الذي يوجد فيه؛ حتى لو ترتب على تغييره، أو ترك مكانه غضب أمي بشدة؟ وهل يعتبر عقوقًا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يشرع تغيير المنكر إلا بعد العلم بكونه منكرًا، وعند الشك يسأل أهل العلم لتبين الأمر، كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {الأنبياء:7}، ولقول النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما رواه الجماعة إلا البخاري: من رأى منكم منكرًا فليغيره. ففرّع وجوب التغيير على كون المرئي منكرًا، سواء كان الإنكار باللسان، أم بمغادرة المكان، فكل ذلك يدخل في دائرة إنكار المنكر، بل صرح بعض العلماء بحرمة الإنكار مع الشك في كونه منكرًا، قال الخرشي في شرحه على مختصر خليل بن إسحاق: الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ بِشُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ عَالِمًا بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ؛ لِئَلَّا يَنْهَى عَنْ مَعْرُوفٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ، أَوْ يَأْمُرُ بِمُنْكَرٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ، وَأَنْ يَأْمَنَ أَنْ يُؤَدِّيَ إنْكَارُهُ إلَى مُنْكَرٍ أَكْبَرَ مِنْهُ، مِثْلُ أَنْ يَنْهَى عَنْ شُرْبِ خَمْرٍ فَيُؤَدِّيَ إلَى قَتْلِ نَفْسٍ، وَنَحْوِهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ، أَوْ يَظُنَّ أَنَّ إنْكَارَهُ يُزِيلُ الْمُنْكَرَ، وَأَنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَنَافِعٌ، وَبِفَقْدِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَحْرُمُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَبِفَقْدِ الثَّالِثِ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ، وَيَبْقَى الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ. اهـ وقريب منه كلام الإمام الغزالي، وقد نقلناه لك في الفتوى: 211738، وللمزيد في تقرير اشتراط العلم في مشروعية الإنكار تنظر الفتاوى: 43762، 214936.

أما مجرد غضب الأم بسبب تغيير المنكر، ومغادرة المكان: فلا يعتبر مانعًا شرعًا من وجوب الإنكار، بثلاثة شروط، وهي:

ثبوت وجوب الإنكار بأن كان المنكر حرامًا، لا مكروهًا فقط، أو مشكوكًا في حرمته؛ لأن إنكار المكروه مستحب، لا واجب، وإنكار المشكوك غير مشروع، ومصلحة تحصيل رضا الأم أعظم من مصلحة فعل المستحب، فضلًا عن غير المشروع.

والشرط الثاني: أن يكون الوجوب عينيًا، لا كفائيًا، بأن لم يوجد من يقوم بتغيير هذا المحرم غيرك.

والشرط الثالث: كون المفسدة المترتبة على ترك الإنكار أعظم من مفسدة غضب الأم؛ لأن من شروط وجوب الإنكار ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه، وانظر في تقرير هذا الشرط، وبقية شروط وجوب إنكار المنكر الفتاوى التالية أرقامها: 180123، 149861، 197429.

وإذا كان التغيير واجبًا: فلا يكون من باب العقوق؛ لأن بر الوالدين متقيد بطاعة الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومجرد غضب الأم لا يقتضي وقوعك في العقوق المحرم، والعقوق هو ما توفرت فيه ثلاثة شروط فصلناها في الفتوى: 76303 فلا حاجة لتكرارها هنا، ثم إن عليك التزام آداب الحوار مع الوالدة، والتي نبهنا إليها في الفتاوى: 50556، 200023، 5925.

هذا كله إذا لم يكن فاعل المنكر والمباشر له هي الوالدة نفسها، وأما إذا كان المنكر عليه هو أحد الوالدين، فله أحكام خاصة بيناها في الفتويين: 214936، 18216 ونقلنا فيهما توجيهات قيمة للفقهاء في كيفية الاحتساب على الوالدين، فانظرهما لزامًا.

وللمزيد في ضوابط الإنكارعلى الوالدين تنظر الفتاوى التالية: 139535، 157161، 134356.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني