الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصاحبه المشقة

السؤال

يا شيخ: أحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الرد على معظم من أخطأوا الطريق، وأسلوبي جيد، ولكنني أرى أن ذلك ينعكس علي سلباً في صحتي ونفسيتي وترك أولوياتي ومسؤولياتي حين المناقشة، بل أحياناً يا شيخ: أعمل نفس المنكر بعد مدة مع أنني لم أكن أستهزئ بهم! كما أحس أنني غير مؤهلة لهذا الشيء وأن نفسيتي قد تعبت لذلك، فهل يجوز أن أتركه لأنه يوجد غيري أقوى إيمانا وقلبا مني وأكثر تثبيتا؟ وهل علي إثم؟ فمع صحتي ومسؤولياتي وأولوياتي التي أنا مقصرة فيها ومع كثرة تجاربي غالباً أخسر! وأتذكر قول الله: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ـ يا ليت تذكر الشروط اللازمة للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وإذا كان يضره أكثر مما ينفع وغالباً لن يقتنع الآخر!! صحيح: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ـ فعلي أن أصلح نفسي أولا، تعبت نفسيتي وأحس أنني منافقة ومحبطة وغير مؤهلة لهذا الشيء..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. كما قال النووي في شرح مسلم.
وهذا الواجب كغيره من الواجبات الشرعية: منوط بالاستطاعة والقدرة، وينبغي أن لا يتعارض مع ما هو أولى منه كالواجب العيني، كما ينبغي أن لا يترتب على الأمر والنهي تفويت معروف أو وجود منكر أكبر مما هو حاصل، وغير ذلك من الضوابط والفقه والمراتب والشروط، مما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 36372، 17092، 197249، 216829.

ولا يصح ترك النصح والأمر والنهي بسبب ترك المعروف أو التلبس بالمنكر، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 201949.

ومما ينبغي التأكيد عليه هنا أن ذلك لا يتعارض مع الاهتمام بالنفس وإصلاحها، بل هو من أسباب التوفيق للطاعة والبعد عن المعصية، لمن صلحت نيته، وحسن مقصده، وعرف قدر نفسه، ونسب الفضل لربه، فأراد بعمله القيام بأمر الله ودلالة الخلق عليه، وإعانتهم على طاعته واجتناب مساخطه، فدار أمره بين محبة الحق والنصح للخلق، ومثل هذا جدير بالتوفيق والإصابة والإعانة.
وأما ما أشارت إليه السائلة من تأثر صحتها ونحو ذلك: فهذا لا يكاد يخلو منه ناصح أو آمر وناه، كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان: 17}.

قال السعدي: وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه، والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا به، من الرفق والصبر، وقد صرح به في قوله: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ـ ومن كونه فاعلا لما يأمر به، كافًّا لما ينهى عنه، فتضمن هذا، تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه، ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى، وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني